رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية /د. التقي ولد الشيخ

سيدي الرئيس:

لا أتذكر أنني خاطبت أو كاتبت أيا من رؤسائنا الفارطين ممن عايشتهم ــ رحم الله موتاهم، وحفظ أحياءهم ــ وليس ذلك لأن دواعي الكتابة إليهم ومخاطبتهم غير قائمة، ولكن لأني لا آمن أن تجد رسائلي سبيلا سالكا لسلة المهملات، قبل أن تصل إلى المعنيين بها، وقد بلغني أنكم ممن يقرأُ ما يُكتب ويحفل بما يَقرأُ.

سيدي الرئيس:

كنت قبل كتابة هذه المكاشفة ألا أُقدم رجلا إلا أخرت أُخرى، ليس لأنني لا أجد ما أقول بل لأنني لم أعتد أن أقول ما أجد، ولولا أنني أتقاسم هذا الشعور الذي أُريد أن أُفضي به إليكم آخرين لما رفعت بهذا الأمر رأسا ولما أسلت فيه نِقسا.

سيدي الرئيس:

لقد كنت رابع أربعة مهروا التعليم شبابهم فعجموا عوده، وخبروا وُعوده، وعرفتهم جميع مراحله مدرسين ومؤطرين في عرصات التعليم القاعدي الأساسي، فمقاعد التعليم الثانوي، فمدارج التعليم الجامعي، حتى إذا لمع برق الترقية شاركوا في آخر مسابقة لاكتتاب 95)) أستاذا جامعيا كان حظهم فيها الأوفر لنصاعة ملفاتهم ونجاعة مؤهلاتهم، إلا أن حاجة في نفوس من هم على هرم الوزارة ــ آن ذاك ــ قضت بإقصائهم من لائحة الناجحين بقرار غير مُسبَّب أرجعت العدالة غزله صوفا وحكمت بإنصافنا وذلك ما لم يقع بعد!

سيدي الرئيس:

لطالما قرعت مسامعنا عبارة “الدولة لا يُنفذ عليها” وهي حجة أضعف من مجنِّ أبي الخطاب، وقول يحمل في طياته بذور هدمه فإذا كان صحيحا أن الدولة لا ينفذ عليها فلماذا تسمح بسن القوانين التي ستقع تحت طائلتها يوما ما؟!

إن الحكم على الدولة والتنفيذ عليها هو شارة وأمارة العدل والأمان، فالدولة وأجهزتها هي الكافل لحق المواطن حتى ولو وقع عليه ظلم الدولة نفسها وإلا فسيصير (حاميها حراميها) كما يقال وسننشد جميعا في وجه الدولة قول الشاعر:

وكنا نُعِدُّك للنائبات   فها نحن نطلب منك الأمانا

سيدي الرئيس:

إن ترقية الموظف مع أهميتها المعنوية لا تكلف ميزانية الدولة إلا زيادة طفيفة على راتبه أصون سمعكم الموقر عن تبيان قدرها.

سيدي الرئيس:

إن مسابقات التعليم العالي ـ في جوهرها ـ هي مسابقات إقصائية حُفت بالمكاره وسُوِّرت بالمطبات وغالبا ما توضع المعايير فيها على مقاس أفراد معينين يستطيع كل أحد أن يحزر أسماءهم قبل أية تصفية، ثم إن في التعليم العالي جماعة اعتادت أن تحجر واسعا وأن ترسي المحابيض أمامنا نحن الطامحين لدخول تلك الحوزة حتى تبقى دار ابن لقمان على حالها، ويخلو لهم وجه منافعها، حفظ الله تلك الجماعة أزمانا مديده، وصرفها عن محاربة الدماء الجديدة.

سيدي الرئيس:

في كل سنة تحال إلى المعاش جماعة من أساتذتنا الأجلاء في التعليم العالي، تخلف فراغا لا يسده إلا التعاون مع المتقاعد من جديد أو اكتتاب أساتذة جدد مع أن هناك خيرة من الأساتذة يحملون أحكاما قضائية إما بالاكتتاب وإما بالترقية ولبعضهم سنوات عديده وهو ممنوع من ولوج التعليم العالي وقد أخذ صك الولوج بيمينه، والجامعة في أمس الحاجة إليه.

سيدي الرئيس:

سنظل أوفياء لهذا الوطن نلعق طينه شهدا، وننهض إلى نصره شدّا، نبذل له الحب على الريق، ولو اضطررنا فيه إلى أضيق الطريق، فما نحن إلا كالغزال الذي يضعه الجدب بين يدي قناصه وفي الأرض منأى، ولكن:

بلادي وإن جارت علي عزيزة   وأهلي وإن ضنوا علي كرام

سيدي الرئيس:

حسبي أنني نبهت لهذه المظلمة عامرا في شخصكم الكريم، وأتمنى أن أستيقظ وقد سلكت قرارات القضاء سبيلها للتنفيذ، وما ذلك على الله بعزيز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى