تصاعد الهجرة بين صفوف الشباب الموريتاني/ حنان احمد الولي

مع تخرج دفعات جديدة كل عام من الجامعات وتراجع أداء القطاع الخاص، يزداد عدد المنتمين الى سوق العمل، فيجدون صعوبة كبيرة في إيجاد وظائف حتى في التخصصات العلمية التي كانت مطلوبة أكثر من غيرها كالطب والهندسة. لكن طابع الانكار يغلب على المشهد العام، فالمسؤولون يصرون على تجاهل الظاهرة التي لا تخفى على أحد فثلث الشباب الموريتاني اصبح عاطلاً عن العمل بحسب منظمة العمل الدولية التي لا تتناسب احصائياتها مع الأرقام الرسمية لنسبة البطالة المعلنة من الحكومة. ونتيجة لهذا الوضع، عاد ملف الهجرة ليتصدر من جديد، فالبطالة والعوامل الاقتصادية والمعيشية هي الدوافع الابرز التي تدفع الشباب دفعا إلى الهجرة، وتبدو الظاهرة في ازدياد مخيف في الأشهر الأخيرة.حيث تشهد العاصمة نواكشوط منذ أشهر سباقا محموما بين الشباب نحو الولايات المتحدة الأمريكية.
يتحدث حمادي العامل في سوق “نقطة ساخنة” بحرقة مفتقدا زملائه الذين أقدموا على بيع محلاتهم:
قرر خمس من اصدقائي ان يتوجهوا لخوض مغامرة الوصول إلى آمريكا بعد ان اصبحت الهجرة اليها عبر المكسيك حديث السوق.كنت اظن ان الامر مجرد مزحة في البداية، خاصة في مايخص صديقي المقرب مصطفى.
انا و مصطفى عشرة عمر، فقط ترعرعنا معا بحكم الجيرة، قصدنا نفس المدرسة الابتدائية، الإعدادية ثم الثانوية. لم نقص الجامعة، انا ومصطفى، لشدة حاجة اهلنا، قررنا ان نعمل لنعيل اسرتينا. حاول مصطفى عدة محاولات بائت بالفشل حتى اقتنع اخيراً بإن يعمل معي في إصلاح الهواتف، تعلم بسرعة فهو ذكي جداً، ماهي الى شهور قليلة استقل خلالها بدكانه الخاص. لكن لكي احكم بعيدًا عن العاطفة، لا يخفى على أحد ما آلت اليه الاوضاع مؤخراً، فمنذ بداية جائحة كوفيد-١٩ بدأت الاوضاع تسوء، ومنذ نهايتها والاسعار في تصاعد مخيف، فاين الملجأ.
منذ شهور ومصطفى كمعظم العاملين هنا يعاني من تراكم اشهر عدة من الايجار، واظن ان ما زاده رغبة في الهجرة هو عجزه في بعض الاحيان عن شراء الأدوية لأمه المريضة، وهو ما دفعه لاتخاذ هذا القرار الصعب. كما يوجد عدد كبير من الشباب من شتى المجالات في صدد بيع مشاريعهم او اخذ قروض واللحاق بالذين سبقوهم الى أمريكا.

في دار الحصاء وعند مصلحة الجوازات بالضبط جل الموجودين شباب، تحدث الينا من بينهم الشاب (ح،ر) الذي يستعد للسفر إلى أمريكا.يقول (ح.ر) انه يحمل ماستر في القانون وانه شارك في جل مسابقات الاكتتاب “ولكن من ليست له وساطة لاجدوى من ترشحه أصلًا” حسب قوله. ويواصل : لقد وصل قريبي منذ شهرين الى آمريكا عبر المكسيك، اخبرني انه مر بغابات وسار مسافات طويلة وفي نهاية الطريق على الحدود بين المكسيك و آمريكا يوجد حائط طوله قرابة السبعة امتار تسلقه مع رفاقه في الرحلة ووقعوا في الجانب الآخر على الأراضي المريكية، حيث الهدف المنشود. بعد ان وصل الى عين المكان وانهى الاجراءات اللازمة وجد عملاً في بقالة يملكها مواطن يمني، واصبح يتقاضى 1200 دولار أسبوعيا. لقد كان هذا الراتب مغري لدرجة انه جعلني هنا ارتب للحاق به، كالكثير من الشباب الموريتاني الذي اصبح جل طموحه هجرة إلى أمريكا.

تعليقًا على الموضوع يقول الباحث الاجتماعي الشيخ سيداتي ولد سيدي :
” في ظل غياب سياسة محكمة لتشغيل الشباب، وتجاهل تام من السلطات المعنية تتزايد حملات هجرة الشباب الموريتاني، وقد وصلت لحد لم تصله من قبل حسب آخر الإحصائيات فقد وصلت في الشهر الماضي الى 4000 شاب.
لكن موجة الهجرة الحالية لها طابع خاص
فاصرار الشباب الموريتاني على الهجرة يأتي في وقت حرج حيث ان البلد بحاجة ماسة لسواعد ابنائه للمساهمة في التنمية والبناء بعد ان اظهرت المؤشرات ان هناك انتعاشا اقتصاديا سيشهده البلد، فهو اذا بالتأكيد بحاجة للطاقة والنخب الشبابية أكثر من أي وقت مضى.
وفي هذه الحال يعتبر غياب اي ردة فعل من السلطات المعنية حول ظاهرة هجرة الشباب، ومواجهتها بمزيد من التجاهل، وعدم توفير أي بدائل للشباب الطموح، او ايجاد حلول تضع حدا لظاهرة البطالة بين الشباب، والبطالة المقنعة، يعتبر امراً في غاية الخطورة.

كما علق الناشط في المجتمع المدني حمودي ولد امبارك قائلاً :
” تعود الاسباب الأولى لاستفحال مشكلة البطالة الى عدم تكافؤ الفرص، وغياب مبدأ التناوب في الوظائف العامة والسياسية وقطاع الأعمال، وهو ما يشكل عائقا حقيقيا أمام دمج الشباب، وضخ دماء شبابية جديدة في هذه المجالات المهمة. يجب التركيز على الدعم الحكومية و تيسير القروض الصغيرة، فقيام القطاع المصرفي بدوره في خلق التنمية ضروري لتحفيز الاستثمار وتنظيم القطاعات الأكثر استقطابا للعاطلين. وبالطبع تعتبر محاربة الرشوة والفساد والعمل على مراجعة المناهج والسياسات التعليمية من الاولويات ومن الإجراءات التي من شأنها الحد من البطالة بشكل كبير.
كما ان الأرقام الرسمية المقدمة عن نسبة البطالة بعيدة من الدقة فهي تعتمد على مصادر وأسس غير دقيقة.
ومهما يكن فإن هجرة الشباب الموريتاني من بلده، تقتضي إيجاد حلول لمشاكلهم ودمجهم في الحياة النشطة لقطع الطريق أمام الهجرة لما فيها من اهدار للطاقة الشبابية بالغة الاهمية في التنمية والنهوض بالدول.

تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى