بين يدي شهر القرآن ( كيف تنتفع بالقرآن )ح1

الشيخ: محفوظ إبراهيم فال

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب والصلاة والسلام على رسول الله الصادق الأمين وبعد :
فإن رمضان شهر القرآن الذي فيه أُنزل وفيه يُتلى وفيه يتدارس فحري بالمؤمن أن يكون الإقبال على القرآن في هذا الشهر أكبر أهمه ومبلغ علمه وقد كان السلف الصالح كذلك كان مالك إذا جاء رمضان يقول هذا شهر القرآن ويقبل على مصحفه وينفطع عن الناس حتى عن طلبة العلم وكذلك الشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى ..

ومن صدق في ذلك لَيَلْقَيَن من البركات والرحمات ما لا يعلمه إلا الله وها أنا أستعين الله تعالى على سلسلة من القول عساها تشارك في عودة صادقة نافعة نرد بها عيون القرآن الرقراقة وحياضه الزكية لنصدر منها بزكاة النفوس .. وانشراح الصدور .. وطهارة القلوب …

(( 1 )) _ تقدير النعمة

إن الخطوة الأولى إلى الانتفاع بالقرآن، والباب الواسع إلى التنعم برياضه المورقة وحدائقه البهية هي إدراك وتقدير إنعام الله تعالى به علينا فمن لا يقدر هذه النعمة فليبك على نفسه وليبشر بالحرمان مالم يتداركه الله بمغفرة منه ورحمة
وقد ذكر الله تعالى بهذه النعمة فقال: { واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم }

وأمر بالفرح بها والاغتباط فقال:
{ يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون }
وهناك سورتان من كتاب الله تعالى كرر الله تعالى فيهما عرض إنعامه وآلائه علينا معشر العباد، وهما سورة “النحل” وسورة “الرحمن” وكانت النعمة الأولى فيهما نعمة القرآن ففي “النحل” وقبل أن يذكر نعمة الخلق وما تلاها من نعمة المطاعم والمشارب، والملابس والمراكب، ثم ما تلا ذلك من تسخير سفلي وعلوي شمل الكواكب السيارة والأفلاك الدوارة وما لحق ذلك من تذكير بنعمة الأزواج والبنين والحفدة وطيبات الرزق وما سوى ذلك مما فصل في أنحاء السورة أو أجمل في قول الله تعالى فيها :
{ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم }

كل ذلك العرض الماتع النافع سْبق بالتذكير بنعمة النعم ومنحة المنح وعطية العطيات وهبة الهبات نعمة القرآن { ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون }
إنها نعمة الروح التي تحيي موات القلوب والعلوم والفهوم، والأفراد والجماعات، والأمم والحضارات؛ { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور }.

وفي سورة “الرحمن” حين خاطب الرحمن الإنس والجان بذلك الخطاب الأخاذ وكرر ذلك التعليق العظيم أكثر من عشرين مرة { فبأي آلاء ربكما تكذبان } كانت النعمة الأولى رتبة هي تعليم القرآن { الرحمن علم القرآن } وأسند التعليم إلى اسمه العظيم الرحمان ليدل على أن القرآن من أعظم ما تجلت فيه رحمته ومثل ذلك قوله تعالى( حم تنزيل من الرحمن الرحيم )

فلنستشعر نعمة ذلك التعليم ومنحة ذلك التفهيم حين تولى العليم الحكيم تعليمنا بنفسه وأنزل علينا كلامه ولم يكتف لنا بكلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم مع عظمته ولا بكلام الروح الأمين جبريل عليه السلام بل قال جل وعلا { وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم } { قل نزله روح القدس من ربك الحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين }
{ وبالحق أنزلناه وبالحق نزل }
{ وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين }

ما أعظم الكنود والجحود حين لا نقدر هذه النعمة ، من نحن حتى يكلمنا الله ؟
ينادينا مباشرة !! يأمرنا مباشرة !! ينهانا مباشرة !! يخبرنا مباشرة !! يعظنا مباشرة !! يعدنا مباشرة !! ثم يبشرنا ويوصينا مباشرة يعاهدنا ويبايعنا مباشرة !! …

ألا فلنشكره على هذه النعمة بالإقبال الصادق والحرص التام على الانتفاع والارتفاع بمصدر النفع والرفع كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم:
” إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ” (مسلم)
وأخرج البخاري في صحيحه ؛
” أن أبا بكر قال في خلافته لعمر انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها فلما دخلا عليها بكت رضوان الله عليها فقالا لها ما يبكيك أما تعلمين أنما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت إنني لا أبكي لأنني لا أعلم أنما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنني أبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيا معها ”
وحق أن يبكي هؤلاء الصفوة في هذا المجلس المهيب لأن الوحي قد انقطع من السماء لأنهم يقدرون نعمة ارتباط الأرض بالسماء وتلقي الجاهل عن العليم والعاجز عن القدير والمخلوق عن الخالق إن القرآن يمثل كل ذلك فهو مائدة الله في أرضه وحبله المدود إلى خلقة والعروة الوثقى التي لا انفصام لها
كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول ؛
” ضمن الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ‘ ثم قرأ قول الله تعالى؛ { فإما ياتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى }

وضاعف الله هذه النعمة حين تكفل بحفظ القرآن فما ضاع منه حرف ولا كلمة وبقي محفوظا في الصدور مقروءا في السطور عزيزا على التحريف والتبديل
{ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد }

ولم يكل حفظه إلى حاكم ولا إلى عالم كما فعل بالكتب السابقة التي استحفظها الأحبار والرهبان ووكل الشهادة عليها إليهم { بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء } فكان أولئك الذين استحفظوا أول من حرفها وعطلها واشتروا بآيات الله ثمنا قليلا نعوذ بالله من حالهم

لك الحمد ربنا على نعمة القرآن ونسألك كما مننت بها أن تجعلنا من الشاكرين لها الذاكرين

يتواصل …..

اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى