المشروع الإسلامي بين الواقع والمأمول (تلخيص)

أ. محمد جميل منصور- سياسي ومفكر إسلامي

أبدأ بشكر التجمع الإسلامي في السنغال على الدعوة الكريمة، وسأحاول أن أختصر في هذه المداخلة حتى لا أتجاوز الوقت المحدد

على سبيل التقديم:

يتساءل البعض لماذا هذا الحديث، بل لماذا يتكرر في الفترة الأخيرة في أكثر من منتدى ومناسبة، إنه الإحساس بالحاجة إلى التقويم والمراجعة.

جوهر الموضوع هو المراجعات التي تشخص الحال وتفكر في المآل وهذا حديث متعين فقد خاض التيار الإسلامي تجارب وانتشر في العالم وسمع به الناس، تحدث عنه المناصر والصديق والحادب والمنصف والمنافس والعدو، وواجب هذا التيار أن ينتبه لكل هؤلاء ويسمع من كل هؤلاء ويستفيد من كل هؤلاء.

 

في التقويم :

من المهم أن يقوم التيار الإسلامي نفسه (وأجاز أهل اللغة أن يقيم )

له وعليه أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب، عليه – كما يقول محمد احمد الراشد رحمه الله – أن يكون كالبناء ينزل بعد اكتمال بعض عمله لينظر ويفحص ويدقق، وتقليد البناء ليس غريبا على أبناء مدرسة البنا رحمه الله.

هناك عناوين ثلاثة هي أبرز عناوين نجاح المشروع الإسلامي المعاصر:

* الإحياء الإسلامي : تصحيحا للتصورات، ونشرا للفكرة الإسلامية الأصيلة بشمولها ووسطيتها وانفتاحها، والنجاحات في هذا الباب كثيرة ومتنوعة وممتدة عموديا في سلم الأفكار وأفقيا في المساحات والمناطق التي غطاها التيار الإسلامي.

* الالتزام الإسلامي : عبادة وسمتا وسلوكا وثقافة، ومظاهر ذلك لاتخطئها العين في كل انحاء العالم الإسلامي بل العالم كله. ولايؤثر على هذا النجاح جنوح بعض الملتزمين نحو الغلو والتطرف إفراطا، أو تساهل بعضهم وميوعته تفريطا، فقد ظل الاتجاه العام دون إفراط ولاتفريط وظل أغلب أبناء المشروع الإسلامي على التزامهم ووسطيتهم.

* الوعي الإسلامي : سواء بواقع الأمة والتحديات التي تواجهها والمخاطر التي تحدق بها، أوبواقع العالم ومكائد الأعداء ومؤامرات المتربصين، ولاشك أن المشروع الإسلامي نجح نجاحات واسعة في استنهاض الأمة لقضاياها ووعيها باستهداف أعدائها لها، وتبرز في هذا الصدد قضية فلسطين ونجاح المشروع الإسلامي في جعلها على كل لسان وحمل همها في كل مكان والحذر من التفريط فيها مهما كان.

مع الثلاثة نجاحات كثيرة طالت مختلف الجوانب وسجلت في عديد المجالات.

ولكن التقويم يقتضي التوقف عند صفحة الأخطاء والارتباكات، فحديث المراجعة يستلزم ذلك، وفيه عناوين ثلاثة بدوره:

* الضعف الاستراتيحي : في تقدير الحال وتوقع المآل، في أولويات المراحل، واختلاف المحطات، في توهم الفرص وتضييع الفرص.

د.محمد المختار الشنقيطي يتحدث عن ضعف الحس الاستراتيجي وهو محق في ذلك، ولعل أهم مسألة في هذا الموضوع هي عدم الانتباه لميزان القوة وتوفره وانتقاله، والبناء على ذلك.

* الارتباك السياسي : ظهر في عديد التجارب السياسية التي خاضها أبناء المشروع الإسلامي، فللسياسة شروطها ولها متطلباتها ولها محاذيرها ولها إكراهاتها، وممارستها بنفس المنطق والآليات التي كان يمارس بها العمل الدعوي والعمل الاجتماعي، فشلت تجارب سياسية لأنها أنتجت ممارسة استبدادية أودت بالمشاريع الأخرى، وهي مرفوضة مبدئيا قبل ذلك.

وفشلت تجارب سياسية لأنها لم تقرأ ميزان القوة وأخضعت السياسة لمقاربات تقليدية نجحت بها في الدعوة والحركة، وفشلت تجارب سياسية لأنها لم تقدر حساسية الرأي العام الوطني ورأيها العام تجاه تنازلات مؤلمة وتكيف تجاوز الحد، وفشلت تجارب سياسية لأنها قلدت وظنت ما يناسب بلدانا يناسب أخرى.

هناك نجاحات سياسية دون شك، ولكن الارتباك أربكها وأضفى على أغلب التجارب السياسية عدم النجاح حتى لانقول الفشل، سيقول قائل وهو محق في ذلك إن العدو أفشلنا والتآمر أرهقنا، ولكن الأستاذ مالك بن نبي في استقصائه لفقه الحضارة والاجتماع أكد أن الأمة المستعمرة لاتستعمر إلا إذا كانت هناك قابلية للإستعمار، لقد أفشلونا ولكنهم وجدوا عندنا قابلية للفشل، ومن هنا تنطلق المعالجة ويكون التصحيح

* الخلل المجتمعي : وأعني به الخلل في النظرة للمجتمع والتعاطي معه، أعرف أن أغلب أبناء المشروع الإسلامي لم يعد يتبنى القول بجاهلية المجتمع، ولكن الانفتاح على المجتمع، وتحويله إلى حاضنة مطمئنة واثقة، والانتقال من مشروع الحركة أوالجماعة إلى مشروع المجتمع، في ذلك نقص ملحوظ وتردد لايخفى في عديد تجارب المشروع الإسلامي المعاصر.

 

في المأمول والمنتظر:

هناك وقفات أعتبرها لازمة لأبناء المشروع الإسلامي وهم يناقشون مشروعهم بين الواقع والمأمول :

١ – واجب المراجعة والبناء عليها: فليس هناك بلد إلا ويحتاج أبناء المشروع الإسلامي فيه إلى مراجعة حقيقية وتقويم جدي، ثم البناء على هذه المراجعة، فلايستساغ الاستمرار في منهجيات نلاحظ تعثرها هنا وهناك.

٢ – تجديد الفكرة وتطوير العرض: وهذا واجب ملح، فالحاجة لتجديد الفكرة لا من حيث الثوابت والمنطلقات، ولكن من حيث المقاربات والاختيارات فضلا عن الوسائل والآليات، ومن متعلقات هذه الأخيرة تطوير العرض، فنحن في زمان مختلف وفي عصر له خطابه وجديد وسائله.

٣ – لكل مرحلة مايناسبها ، وللسياسة أحكامها (ممارستها حسب الحال ومقتضى الإمكان وشروط الزمان ) وفي هذا السياق يلزم أن نفكر في الانتقال من الممارسة السياسية المخصوصة إلى الأفق الوطني الواسع.

٤ – الأولوية الوطنية : فنحن أبناء اوطاننا وأولوية الوطن معرفة واهتماما وتركيزا أصبحت ملحة، ولايلغي ذلك الاهتمام بقضايا الأمة والقارة وفي المقدمة منها قضية فلسطين.

٥ – ولأننا في إحدى عواصم القارة المهمة “داكار” لابأس بكلمة عن “لافريكانيسم” فأبناء المشروع الإسلامي في إفريقيا من أولى الناس بالحديث عن القارة والاهتمام بها ومتابعة همومها والإسهام في نهضتها.

على سبيل الختام :

كل محاولة في المراجعة والتقويم مطلوبة، ولاينبغي الزهد فيها حتى من الناقد المتحامل، فيستفاد من نقده ويترك تحامله، فأحرى نقد المشفق والمنصف.

والله من وراء القصد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى