المجلسي: ولد أمين محاد لله ورسوله
قال الشيخ: محمد سالم المجلسي: إن المحلني محمد ولد أمين محاد لله ورسوله، ولا يتوقع منه أن يجل أي هالم مهما سمت مرتبه العلمية.
جاء ذلك خلال مقال نشرته الشيخ عبر حسابه بالفيسبوك، هذا نصه:
إن مَن حادَّ الله ورسولَه صلَّى الله عليه وسلَّم لا يُؤخذ عليه شنآنُه لعالم ولا لعلماء الأرض أجمعين، فمَن نقض الأصلَ لا يُؤمَن على فَرع، ومَن يُتلف البُذُور لا يُرجَى منه زَرع..وإن مَن يُدافع عن الشانئ الأبتر ويَطمَئنُّ لمجالسته غيرَ مطالِبٍ بحقِّ أفضل الخلق صلَّى الله عليه وسلَّم ولا موقِّر لجنابِه الطَّاهر لا يُرجَى منه مراعاة حق أيِّ إنسان له من الفضل نصيب.
إنَّ هذا المحاميَ عن الباطل المثبور، هو من نُخالة قوم بُور، يَطعنون في التَّفقّه في الدِّين لينقضواْ أصلَه, ويَذمُّون نَقلتَه ليَقطعوا وَصلَه, ويعترضون على الإرث والقوامة والحدود والأحكام باسم الحداثة والتَّنوير وحقوق الإنسان..فلا يَنبغي الذُّهول عن ذلك عند سبهم لعالم، أو اتِّهامهم لمُصلح.
ولا أعجب من دعوتهم لتجديد الأصول والفقه والنّحو..لمواكبة الحداثة, وحضِّهم على الاختراع وإشادتهم بصناعة العلوم في أرقى جامعات العصر..وهم مَن هم في الجهل !! ما بين مدَّع معرفةَ قانون لم يُضئ له بمعرفته نَجم, ولم يَرُدّ عنه مذمَّة برَجم، وجَحمَرِش أقبح نهجا من العقوق, تدّعي حماية الحقوق..
أما استخفافُهم بالعطاء المحظري وثناؤهم على العلم الحديث.. فليت شعري هل لهم في الجامعات الجادَّة ذكر, وهل التَمَس العقلاء من جانبهم أيَّ فكر.. وهل جلبوا غير خصومات فاجرة, وروايات ركيكة ساقطة “منينه بلانشَى مَثلا”, وتقليدٍ غربي بليد, إذ لم يتَّبعوهم في المفيد ..بل اتّخذوا الأهواء محجَّة “كاستحسان التَّبرج”, وجعلوا الفقهَ لُعبة شطرنج يزيدون فيها حميرا وخنازيرَ من جنسهم.
ألا فليموتوا بغيظهم ..إذ لا تزال أفواجُ الدّاخلين في الإسلام متواترة, وقد تخرّجت من تلك الجامعات التي لم يعرفها أحسن المسيئين حظا إلا شاهدةً عليه بالفشل.
ولم يُعمِهم ذلك التّخرُّج, كما لم تَسبِهم تلك الحضارة, بل يمَّموا وجوهَهم شَطرَ المحاظر, فوجدوها بُقعة علم طاهرة, ورُقعة أخلاق زاهرة, لم يُر قبل قرونٍ مثلُها حضانةً للعلم وتصديرا للعلماء..فشتَّان ما بينها وبين معاهد الهوى الَّتي يريد أجلافُ التّنويريِّين أخذ الفقه منها.
لن يجدوا اليومَ مَن يدعو إلى أخذ علوم الفيزياء أو الكيمياء أو غيرها من أيِّ محظرة من محاظرنا العريقة ..فذلك خطأ كبير في اتِّجاه البوصلة, لكنَّه أكبر منه وأوسع هوَّة ضلال مَن يَدعو لتعلُّم الشَّريعة من جامعة هارفارد أو جامعة السربون أو أدعياء الحداثة..ويَسعى لطمس أثر المحظرة التي وإن كان تعليم العلوم الشرعية صِفتَها البارزة إلّا أنَّها لم تزل تُرغِّب في تعلم كلِّ الحِرَف المهمَّة ونشر كلِّ ما يَنفع النَّاس, فقد قال صلَّى الله عليه وسلّم (احرص على ما يَنفعك واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم.
وأما تَهكُّمهم من الحفظ واستخفافهم بالحفاظ فجهلٌ منهم عريض، جناح صاحبه مَهيض.
فقد بوب البخاري لِباب: “حفظ العلم” وذلك للتأكيد على منزلة الحفظ.
وقال ابن الجوزي: (فإن الله عز وجل خَصَّ أمتَنا بحفظ القرآن والعلم، وقد كان مَن قبلنا يقرأون كتبهم من الصُّحف، ولا يقدرون على الحفظ)
وأكد عبد الرزاق الصنعاني تلك المنزلة التي تبوَّأها الحفظ، وما فيه من مزايا، فقال: (كل علم لا يدخل مع صاحبه الحمام، فلا تَعدَّه علما)
ولا يُنافي هذا أهمية الفهم، فالعلماء لا يزالون يؤكدون ما قاله الإمام أحمد بن نصر الله الحنبلي البغدادي: (قليلٌ من الفهم خيرٌ من كثير من الحفظ)
ويُؤكدون ما قاله الإمام الشافعي: (ومن كان عالما بما وصفنا بالحفظ، لا بحقيقة المعرفة، فليس له أن يقول أيضاً بقياس، لأنه قد يذهب عليه عقلُ المعاني، وكذلك لو كان حافظا مُقَصِّرَ العقل..)
وإذا كان أهلُ الحفظ دون الفهم ليسوا أهلا للاجتهاد فما الظنُّ بقوم لا يَحفظون ولا يفهمون..!؟
إن أهلَ العلم الحقِّ يَعتنون بالحفظ وبالفهم ولا يبخسون شيئا من ذلك قدرَه، ولهذا فإن العلَّامة محمد الطاهر بن عاشور -وهو مَن هو في انتقاد العناية بالحفظ على حساب الفهم- يقول مبينا منزلة الحفظ: (وإني وإن كنت أرى العلم هو قوة الفكر، لا أجحد الاستحضار حقّه من جهة عونه على التعبير، ومن جهة كونه مظهرَ العالم، وكان في حفظ المتون النافعة مع فهمها مقنع من ذلك، لا سيَّما وأنَّ علوما جمة وهي علوم اللغة أشد احتياجًا إلى الاستحضار من غيرها، وبُعد الطلبة عن الاستحضار أوجبَ ضعفها فيهم)
أما استخفاف هذا المُتعالم بعلم العالم إذا لم تَكن عنده مؤلَّفات فذلك من أدِلَة جَهلِه واتِّباعه الهوى..إذ لو نظر قليلا وتأمّل لحظة لتذكَّر عددا هائلا من العلماء المرشدين والفلاسفة المؤثِّرين الذين لم يؤلِّف أحدٌ منهم كتابا واحدا..فإن الفيلسوف الكبير كونفوشيوس لم يُؤلف كتابا رغم كثرة أتباعه وشدَّة تأثيره في الصين وغيرها من عهده إلى اليوم، وإنما جمع تلامذته أفكاره وآراءه..وهذا أشهر من أن يُذكر له مثال، أو يُطوَّل به مقال.
وقد ألَّف الأستاذ محمد خير رمضان يوسف كتابا سماه: “المكثرون من التصنيف في القديم والحديث” ومن نظر فيه أدرك أنَّ فيه كثيرا من المؤلفين المكثرين لم يَبلُغ تأثيرهم تأثير علماء لم يؤلِّفوا أصلا أو ألفوا كُتبا قليلة.
بل قال ابن خلدون في تاريخه: “الفصل الرابع والثلاثون في أن كثرة التآليف في العلوم عائقة عن التحصيل” وانتقد ظاهرة كثرة التآليف أشدّ الانتقاد.
كما أن كثرة المؤلَّفات ليست بالضرورة دليلا على النجاح والتفوق وسعة المعارف خاصة في العصر الحديث،
فقد ألَّفت مارغريت ميتشل رواية واحدة هي “ذهب مع الريح” نالت بها من الشُّهرة ما لم ينله كتَّابٌ ألَّفوا مئات الكتُب.
كما أنَّ الكاتبة كاثرين ليندساي ألَّفت أكثرَ من 900 رواية، ولم تَنل نَجاحا مثلَ الذي نالته مارغريت من خلال روايتها اليَتيمة، أو مثل نجاح الشاعر الروسي بوريس باسترناك الذي ألف رواية واحدة فريدة هي”دكتور زيفاجو” نال بها جائزة نوبل، أو مثل نجاح رواية “مرتفعات وذرينج” للكاتبة إيميلي ابرونتي التي تُوفيت قبل أن تنال ثمرة روايتها الشهيرة.
إنّ هذا المتعالم الذي ما يزال يَسخر مما يُسميه خوض الفقهاء في غير اختصاصهم أتى قبل أيَّام ما يُعتبر أضحوكة عند الأطبَّاء حين علَّق على صورة أشعَّة..فكان عليه أن يَردَّ على سُخرية بعض الأطباء منه بدلَ انتقاد العلماء ومطاولتهم في ميادين هو فيها قَزم، وما خاضها بحق ولا عَزم..بل لم يَزل مصبوغا بالوقوع في ما نهى الخالق عنه في قوله سبحانه: (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)
إنه بالعلم وآدابه والعمل به تُنال أهلية النظر والاجتهاد والقبول والرَّد، لا بغير ذلك ممَّا هو بَرقٌ خُلَّبٌ وعَزمٌ مِخلاف.
واليومَ يدَّعي الجهلة حراسة الدين، ويدَّعي حميرُ الحداثة التجديد, ويَعرضون ما يَدعون إليه، ويَعترضون على مَن يُريدون الاعتراض عليه، ويرفعون صوتَهم بكلِّ ذلك، و(إنَّ أنكرَ الأصوات لصوت الحَمير)