من أهم الأحداث السيرية التي وقعت في شهر شعبان
المصدر: صفحة وزارة الشؤون الإسلامية الموريتانية
شهر شعبان هو أحد شهور السنة القمرية المعروفة، وهو ثامن شهور السنة الهجرية، وقد حصل خلال هذا الشهر – كما هو شأن سائر الشهور – عدد من الأحداث، وسنسوق هنا أبرز الأحداث التي وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم خلال هذا الشهر، فمنها:
ميلاد عبد الله بن الزبير
ففي شهر شعبان من السنة الأولى للهجرة، وُلِد عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وكان مولده حدثا مهما، إذ كان أولَ مولود يولد للمسلمين بعد الهجرة، وكان اليهود يقولون سحرناهم فلن يولد لهم ولد، فكان أن ولد عبد الله بن الزبير بن العوام، في شعبان من السنة الأولى للهجرة، وأم عبد الله هي أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما.
عبد الله بن الزبير هو أحد العبادلة، وأحد الشجعان من الصحابة، حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، وكان من أبرز المدافعين عن الخليفة عثمان بن عفان، رضي الله عنه، حين هجم عليه الثوار في حادثة مقتله، وقد رفض ابن الزبير مبايعة يزيد بن معاوية، ثم أعلن نفسه خليفة للمسلمين بعد وفاة معاوية، واتخذ من مكة عاصمة للحكم، قبل أن يُسيّر إليه عبد الملك بن مروان جيشا يقوده الحجاج بن يوسف، ويتم قتله بالكعبة.
فرض الصيام
وفي شهر شعبان من ثاني أعوام الهجرة النبوية كان فرض صوم شهر رمضان، والصحيح أنه لم يُفرض قبله صوم، وقد فرض في أول الأمر على التخيير، ثم نسخ بالإلزام، كما هو شأن التشريع، فكلما ازداد الإسلام ظهورا بالمدينة وقوي اليقين به وأطمأنت إليه النفوس ازدادت الفرائض وتتابعت.
تحويل القبلة
وفي منتصف شهر شعبان من ثانية سني الهجرة النبوية كان تحويل القبلة، وقد ترجمت حادثة تحويل القبلة كامل انقياد الصحابة، رضوان الله عليهم، لأوامر الله ورسوله وتسليمهم المطلق، فقد ورد في صحيح البخاري: بينما الناس في قباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة.
وإلى تاريخ الحدثين الأخيرين يشير شيخنا محمد الحسن بن أحمدو الخديم بقوله:
وكان في ثانية فرض الصيام
تحويل قبلة إلى البيت الحرام
زواج النبي صلى الله عليه وسلم من حفصة بنت عمر
وفي شهر شعبان من السنة الثالثة للهجرة، تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بحفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وذلك بعد انقضاء عدتها من زوجها خنيس بن حذافة بن قيس القرشي السهمي، الذي استشهد بأحد.
وكان والدها عمر عرض على أبي بكر الزواج منها فلم يجبه، ثم على عثمان فأعرض عنه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه ذلك، فدار بينهما ما نقله لنا العالم والقاضي محمذن (سيلوم) بن محنض بابه، حين قال:
فذهب الفاروق نحو المصطفى
يشكو له الإعراض عنه والجفا
فقال ما معناته سوف تنال
أفضل من عثمان الارضى وينال
أفضل منها فتزوج السري
عثمانُ الارضى بنتَ خير البشر
وحظيت حفصة بنت عمرا
بالمبتغى فنكحت خير الورى
واعتذر الصديق بعدُ لعمر
بعزم أحمد عليها فعذر
ولدت أم المؤمنين حفصة بنت عمر، رضي الله عنها، قبل البعثة بخمس سنوات، من أمها زينب بنت مظعون القرشية الجمحية، وكانت حفصة إحدى السابقات إلى الإسلام، كما كانت قانتة عابدة، مكثرة من الصيام والقيام والصدقة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقها مرة فأمره جبريل بأن يراجعها، قائلا: “إنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة” وتوفيت سنة واحد وأربعين للهجرة.
مولد الحسين بن علي
وفي شهر شعبان من رابعة سني الهجرة النبوية، ولد سبط النبي صلى الله عليه وسلم، وسيد شباب أهل الجنة، الحسين بن علي رضي الله عنهما، وكان لما ولد جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأذّن في أذنيه، ويروى أن النبي كان يصطحب معه الحسين إلى المسجد، وكان يقبله ويداعبه كثيرا.
شارك الحسين بن علي في عدد من الفتوح، كما شارك مع أبيه في معركتي الجمل وصفين، والتزم بالصلح الذي عقد أخوه الحسن مع الخليفة معاوية بن أبي سفيان، طوال حياة الأخير، لكنه رفض بيعة يزيد بن معاوية، ثم خرج إلى الكوفة حيث أنصاره، وبطلب منهم، لكن والي يزيد على الكوفة وهو عبيد الله بن زياد، أرسل جيشا يعترض الحسين، وبعد مفاوضات باءت بالفشل قتل الحسين رضي الله عنه، وقتل معه عشرات من أنصاره ومن بينهم جماعة من أهل بيته.
غزوة بدر الموعد
وفي شهر شعبان من السنة الرابعة أيضا، كانت غزوة بدر الموعد، وذلك أنه لما انتهت معركة أحد، وقبل أن تنطلق قريش راجعة إلى مكة، وقف أبو سفيان بن حرب ونادى – مخاطبا المسلمين – موعدكم بدر العام القابل، فقال النبي صلى الله عليه، لعمر قل له: نعم هو بيننا وبينك موعد إن شاء الله.
فلما كان شهر شعبان من السنة الرابعة جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيشا قوامه ألف وخمسمائة، وخرج حتى وصل بدرا فأقام عندها ثماني ليال، ينتظر قدوم جيش قريش، الذين أخلفوا الموعد، حيث رجع أبو سفيان من بعض الطريق، بعد أن خرج على رأس ألفي مقاتل، وكان في إخلاف أبي سفيان لهذا الموعد رفع لمعنويات المسلمين، وتعظيم لمكانتهم في نفوس القبائل العربية.
غزوة بني المصطلق
وفي شهر شعبان من السنة الخامسة للهجرة كانت غزوة بني المصطلق، وحاصله أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن الحارث بن أبي ضرار، وهو رئيس بني المصطلق، ومعه بعض من قبائل العرب خرجوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث صلى الله عليه وسلم بريدة بن الحصيب الأسلمي ليطلع له على حقيقة الخبر، فلقي بريدةُ الحارثَ بن أبي ضرار وكلمه، وعاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره الخبر، فخرج إليهم
والتقى الجمعان عند موضع يسمى المريسيع، وبه عرفت الغزوة، فكانت تدعى غزوة المريسيع وغزوة بني المصطلق، وهو ما أشار إليه بقوله في الغزوات:
ثم المريسيع أو المصطلق
كلاهما على الغزاة تطلق
فلما التقى الجيشان تراشقوا بالنبال أولا، ثم حمل المسلمون على عدوهم حملة رجل واحد فانتصروا وأدبر المشركون.
وفي هذه الغزوة انكشف عداء المنافقين للإسلام، ووقعت فيها حادثة الإفك، وفيها قال عبد الله بن أبي قولته المشهورة، وذلك أن جهنيا حليفا للأنصار يدعى سنان بن وبر كان في واردة مع غفاري أجير لعمر بن الخطاب يدعى جهجاه بن مسعود، واختصم سنان وجهجاه، فاستصرخ الأول الانصار واستصرخ الثاني المهاجرين، فغضب ابن أبي، وقال: أوقد فعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما أعدنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأول : سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
ونقل زيد بن أرقم رضي الله عنه، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام ابن أبي الذي نفى الأمر، ولكن الوحي نزل بتصديق مقالة زيد، حيث نزل قوله تعالى: (يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)
سرية علي بن أبي طالب إلى فدك
وفي شهر شعبان من سادسة سني الهجرة النبوية كانت سرية علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى فدك، وسبب هذه السرية هو أن بني سعد بن بكر بن هوازن تجمعوا بفدك، وتهيؤوا لإعانة أهل خيبر على قتال المسلمين ومحاربة الدعوة الإسلامية، فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على رأس سرية، فكان يكمن الليل ويسير النهار، كما هو شأن سرايا المسلمين إذ ذاك، وقد لقي علي في طريقه رجلا كان عينا لبني سعد، فدله الرجل على قومه الذين فروا عندما علموا بخبر السرية التي أرهبت العدو، ورجعت بغنائم كثيرة، دون أن تسفك دما.
وقد عقد العالم الجليل غالي بن المختار فال منثور أخبار هذه السرية، باختصار غير مخل، فقال:
ثم الأصيلع عليا لفدك
إلى بني سعد وما دما سفك
فشن غارة عليهم فهرب
حيهمُ منه ومالهم نهب
سرية عبد الرحمان بن عوف إلى دومة الجندل
وفي شعبان من سادسة سني الهجرة النبوية، بعث النبي صلى الله عليه وسلم، عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل، والتي تشكل همزة الوصل بين الشام حيث الروم النصارى، وبين الجزيرة العربية، وكان أهلها نصارى نتيجة لاحتكاكهم بجارهم الروم النصارى، وسكان دومة الجندل بنو كلب، وقد بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف على رأس 700 رجلا، وحذره من أن يغل أو يغدر أو يقتل وليدا، كما أمره بأن يتزوج بنت سيدهم إن هم أجابوا إلى الإسلام، فسار عبد الرحمان حتى وصل المنطقة، وأقام ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، ثم أسلموا، فتزوج عبد الرحمن رضي الله عنه تماضر بنت سيد بني كلب الأصبغ بن عمرو، امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أن أنجبت تماضر لعبد الرحمان ابنه أبا سلمة الفقيه التابعي المعروف.
وقد نظم أحداث هذه السرية في تبصرة المحتاج إلى بعوث صاحب المعراج، بقوله:
ثم ابنَ عوف العظيم المعتلي
إلى بني كلب بدوم الجندل
أسلم في ناس من اهل ملته
سيدهم أصبغ بدر فئته
وقبل الجزية من لم يُسلم
وحاز أصبغ كثير المغنم
إسلامه ونجل عوف صاهره
لأن أحمد بذاك أمره
سرية عمر بن الخطاب إلى تربة
وفي شهر شعبان من السنة السابعة للهجرة بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله إلى جمع من قبيلة هوازن بموضع يسمى تربة، وهدف هذه السرية هو تأديب قبائل العرب المعادية للإسلام واستطلاع الأخبار، فخرج عمر بن الخطاب أميرا على ثلاثين رجلا، وكان رضي الله عنه، يكمن في الليل ويسير في النهار، حتى وصل منطقة تربة، فلما علمت هوازن بخبر السرية هربوا فلم يلق عمر منهم أحدا ورجع ولم يُصَب أي أحد من رجاله بأذى، وفي طريق عودته مر بجمع من قبيلة خثعم، فاقترح عليه دليله أن يقاتلهم لينال الغنائم، فقال: معاذ الله أن أقاتل إلا من أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتاله.
وللعالم الجليل كراي ولد أحمد يوره، ناظما أحداث هذه السرية:
وعام سبع نبأ قد بانا
سرية الفاروق في شعبانا
لتربة وكان جمع من هوازن (م)
بها يقودهم كل هوى
على ثلاثين من الأبطال
كلهمُ للكفر ذو إبطال
وإذ أحس بهمُ أنداء
أعدائهم تفرق الأعداء
ورجع الفاروق للمدينه
بالفوز والوقار والسكينه
سرية أبي قتادة إلى خضرة
وفي شهر شعبان من ثامن أعوام الهجرة النبوية، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحارث المكنى أبا قتادة بن ربعي، إلى جموع من قبيلة غطفان بموضع يدعى خضرة، ويقع بمنطقة نجد.
وحاصل هذه السرية أن الأخبار وردت إلى المسلمين بأن غطفان تستعد لغزو المدينة فبعث النبي صلى الله عليه وسلم، إليهم أبا قتادة رضي الله عنه أميرا على خمسة عشر رجلا، وسار أبو قتادة حتى وصل خضرة فقاتل هوازن ورجع إلى المدينة منتصرا، بعد أن تركهم وهم يحسبون للمسلمين حسابهم.