واحة بوتافراوت (قصة إهمال)
المفتش: ممو الخراش
أسس المرحوم الفقيه القارئ الكبود بن محمد السالم قرية بوتافراوت بداية سبعينات القرن الماضي، وغرس النخيل في الوادي، ثم تتابعت هجرات الأهل إلى المستقر الجديد، في وقت تدفع فيه الظروف البدو إلى التقري.
واتجه الجميع – خاصة بعد أحداث السينغال – إلى الزراعة، فتضاعفت أعداد النخيل لتناهز الألف، وكان موسم القطاف من أهم محركات اقتصاد القرية، فضلا عن المشاريع الزراعية التي نافست في تكند وفي روصو، ثم جاءت سنوات الهجرة الجديدة إلى نواكشوط، وتراجع الاهتمام بالواحة.
قبل عام ونصف اتجهت إلى السلطات المحلية بحثا عن حماية للواحة، واستصلاح للأرض، واستدعيت مفتش الزراعة بالمذرذرة وأعد تقريرا عن الوادي، واستغربَ كثيرا إهماله، وتابعت الملف حتى وصل إلى الولاية، وعندها ترددت على مقر الولاية شهرا أو يزيد، أنتظر الإحالة إلى الوزارة المعنية، وبعد كثير من الواسطات عرفنا أن والي اترارزه (السابق) رفض توقيع الملف؛ لأنه لم يصحب بتقرير من مفتش الزراعة!! والحقيقة أن التقرير بصفحاته الأربع موجود في الملف، فصرنا نبحث عن واسطة تدفع الوالي المحترم إلى النظر مرة أخرى بحاسته الباصرة المحترمة إلى الملف!!!!!! كان ذلك رغم توجيه السلطات العليا للاهتمام بالزراعة!
أحيل الملف، وبدأتُ متابعته في نواكشوط عند الوزارة وتحت الرقم 3274، وبعد أشهر ذكروا لي أنه أحيل إلى “مشروع الواحات”، وذلك تبرأ منه، وقال إنه لم يصله، ومضت في ذلك أيام، ثم اقترحتْ علي الوزارة البدء من الصفر، وحين احتسبت التكاليف وما ضاع من الجهد والوقت، توكلت على الله واستصلحت بئرنا القديمة، واشتريت سياجا، ومضخة تعمل بالطاقة الشمسية! وأمنت جزءا مما لدى العائلة.
أمس زرت القرية للوقوف على آثار الحريق، وكان هائلا جدا، ومتعمدا أيضا، فالمخرب قبل إضرامه النار عمد إلى بئر مهجورة توجد بداخلها رزم من سعف النخيل، ووصل البئر بالنخلة التي تحدها من جهة الشرق، عن طريق أكوام من الحطب، وبتلك التي تحدها من جهة الجنوب، وأضرم النار على أمل أن تتجه إلى الشرق والجنوب عبر الممرين، لكن اتجاه هبوب الريح دفعها إلى جهة الجنوب فقط..
أستغرب كيف يزور الحاكم والعمدة والسلطات الأمنية المكان، ويتنازلوا طواعية عن الحق العام المتمثل في فتح تحقيق تحدد فيه المسؤوليات! اكتفوا بسؤال من لقوهم عن السبب!!!! والجميع يعرف حذر القرويين من البحث، ومعارضتهم المبدئية للتحقيقات.. وقد شهد أحد الرجال – وليس من أبناء القرية – بمشاهدته شابين غريبين – يعرفهما الجميع – في عين المكان، لحظات قبل اشتعال النار، وكانا يترددان على القرية قبل ذلك اليوم، ولم تطأها أقدامهما بعد الحريق! وكل ذلك يطرح علامات استفهام كان ينبغي ألا تغيب عن السلطات المحلية، التي سنظل نطالبها بإجراء تحقيق عاجل.
في الصور تجدون الحطب الذي جمعه موقد النار قرب البئر، وجانبا من آثار الحريق.