صورة حديثة للعلامة “حشن”.. تثير كوامن تلامذته ومحبيه
أثارت صورة حديثة للشيخ العلامة: محمد الحسن ولد أحمد الخديم- وهو في حلقة من دروسه اليومية- صورا من الشجون، والحنين إلى أيام الدرس الخوالي، ومرابع “التلميد” في محظرة التيسير، ذات الإشعاع العلمي الممتد على مدى عدة عقود، ذلك الإشعاع الذي دخل نوره كل بيت موريتاني، بل تجاوز الحدود لينير الدروب المعتمة، و يروي ظمأ طلاب العلم خارج الحدود.
شيخ المحظرة، علامة مجدد، صاحب تناصيف مفيدة في مختلف مجالات المعرفة، تنيف على المائة، أغلبها أصبح في متناول القراء، وتولت نشره، أعرق دور النشر في العالم.
الشيخ كرس حياته لطلب العلم و تعليمه، والعبادة، بعيدا عن الأضواء، وزخرف الحياة الدنيا، فأصبح مأوى الأفئدة، ووجهة طالبي العلم، وملتمسي دعاء الشيخ، و مبتغي فتواه فيما نزل واستجد من نوازل.
وهذه نماذج من التدوينات التي سطرها شعرا ونثرا طلابه و محبوه، على صفحاتهم في موقع التواصل الاجتماعي” فيسبوك “:
الدكتور: إبراهيم الدويري، عبر عما أثارت فيه الصورة من كوامن ذكريات الطلب قائلا:
” هذا شيخنا “حشَّن” أزهد الناس في الأضواء والصور،
ومن عرفه عن قرب أنشد فيه قول الأول:
إذا اجتمع النظار في كل موطن *** فغاية كل أن تقول ويسمعوا!
منَّ الله عليه ببركة وقته المقسم بين التدريس والتأليف..أطال الله بقاءه وإشعاع محظرته التي أخذت حظا من اسمها التيسير فكانت العلوم فيها لطلابها يسيرة ميسرة”.
بدوره الإعلامي والمكون : الشيخ دداه ولد آباه، كتب:
“العلم.. والزهد.. والصلاح.
وخيرت بشيخنا محمد الحسن ولد أحمد الخديم حفظه الله ورعاه.. وأدامه يارب”.
المعلم أحمد ولد الشيخ سيد المختار( يظهر في الصورة إلى جانب الشيخ) كتب:
” صورة أرسلها لي أحد الإخوة ماأحب أن لي بدلها حمر النعم.
حفظ الله شيخنا محمد الحسن ولد أحمد الخديم وأطال عمره مع موفور الصحة والعافية”
من جانبه كتب الدكتور: إبراهيم الكلي، انطباعه عن الصور شعرا:
” هذا تعليق قديم على صورة من أوائل الصور التي نُشرت لشيخنا حفظه الله ومتّع به، كتبته وأنا في المغرب، ذكّرتني به هذه الصورة، ثمّ زرتُ الشيخَ بعدُ فأنشدته القطعةَ، فقال لي مزحا: “عدت لباس بيك” هههه:
“الآن فجأةً صادفت هذه الصورة في مارك ففعلت فيّ فعلتها وأثارت في نفسي من مكنون المحبة والشوق ما شغلني عن كل ما كنت فيه، فكتبتُ:
خَليلِي إلى #التّيسير أسْرجْ وأعنق
وإن تستطع فاركبْ جناحا وحلِّق
وزر مجلس الشيخ المفدّى فناؤه
تَجِدْ فيه ما تهوى القلوب وتنتقي
ومتِّع عيونَ النفس من نور هدْيه
وقبّلْ طريقا سار فيه لترتقي
وذكّرهُ بي علِّي أفوزُ بدعوة
تُجمّعُ شملا من غريب مشوَّق
وعدْ لي فحدّثني – فديتُكَ – مُسهَبا
لعلَّك تَشْفِي غُلّةً من محرَّق”.
الشيخ و الداعية : عبد الرحمن الدياه عنون تعليق ب” الصورة الشارحة ” قائلا:
عبد الرحمن الدياه:
” لأحبتنا من خارج بلدنا الذين يتعجبون دائما من علم علماء موريتاتيا ، ويغبطون أو يحسدون الشناقطة على ما آتاهم الله من فضله.
في هذه الصورة اختزال لأغلب جوانب الإجابة :
أولا : تواضع الشيوخ
حيث يرتفق الشيخ بين طلابه ، وكأنه أحدهم .
ثانيا : توفير الوقت ومجانية التعليم
حيث وقت الشيخ ليلا ونهارا وبكرة وعشيا للتعليم لوجه الله . وكثير من العلماء ينفقون على طلابهم.
ثالثا : البساطة البعيدة عن كل تعقيد
حيث لا قاعات فخمة مزوقة ولا تصوير ولا توثيق للأنشطة ، ولا إجراآت للتسجيل ، ولا ترتيب أصم للمواعيد ، ولا إلزام بحضور ولا تفتيش عن أسباب غياب إلخ.
رابعا : عدم التفريق بين الطلاب على أساس سن أو جنسية أو مستوى دراسي حتى!! فكلهم بلا استثناء له حقه من صحبة الشيخ و الأخذ عنه وسؤاله وزيارته متى أراد أو احتاج.
خامسا : التكامل بين الطلاب والاستفادة المفتوحة لبعضهم من بعض ، حيث يراجع ويعيد الأكثر علما للأقل ، ويرشد القديمُ الجديد ، ويورثه تجربته بدون أي مقابل ولا تكلف أو تكليف.
سادسا : الصبر والدأب حيث لا يعرف بعض الناس أن هذا الشيخ -مثلا- يمارس هذا التعليم وبهذه الطريقة منذ نحو ستين سنة متواصلة !! نعم ستون سنة دون راتب ولا إجازة ولا انتظار جزاء ولا شكور من أحد.
#المجد_للمحظرة ”
وغير بعيد من المنحى الذي سلكه الدياه، كتب الباحث المغربي: أحمد القاري:
” الشيخ والتلاميذ
في الصورة جملة من الأمور التي جعلت نظام التدريس المحظري الشنقيطي ينتج علماء يحظون بمكانة عالمية:
– قرب الشيخ من التلاميذ
– قصر مدة الدرس
– استماع تلاميذ لدروس غيرهم
– ملاءمة التدريس لحاجة كل طالب وقدراته وهمته
– علاقة الأستاذ بالتلميذ علاقة رعاية وتربية وليست مجرد علاقة تدريس
– الدرس أخذ ورد ونقاش وأسئلة وطُرف
– الدرس موسوعي فيه أدب وقصص وأمثال ولغة وأعلام وتاريخ وسيرة مهما كان موضوعه
– الشيخ متطوع والتلميذ يدرس طلبا للعلم لا لقطعة ورق مقوى تسمى الدبلوم
– الشيخ والتلاميذ يأخذون الوضعية التي تريحهم دون حاجة لجو الفصل الأوروبي ومقاعده وطاولاته التي تجعله يشبه قاعة الكنيسة
كل هذا ينتج درجة من التركيز والانتباه تضمن استفادة عالية جدا.
لو طبقت شروط المحظرة على التدريس الحديث للعلوم بأنواعها، مع الاستفادة من كل الموارد المتاحة اليوم، لكانت لدينا أفضل مدارس العالم”.
فيم اختار الأستاذ بمركز تكوين العلماء : محمد يسلم ولد غالي، أن يرفق مدح الصورة، بنقد لمظاهر التحديث التي طرأت على المحظرة، معلقا بالقول:
” أكرم بها جماعة أستاذا وطلبة
لكن هذه الصورة غاب عنها عنصر أساسي ورمز من رموز المحظرة، إنه اللوح زمر الحفظ والجد والصبر والإتقان…
كما يلاحظ أن الكتب التي بين أيدي الطلاب ذات طبعات حديثة وقلما يخلو مثلها من الأخطاء بخلاف الطبعات القديمة كمطبعة البابي الحلبي وبعض المطابع العثمانية القديمة ومثل الكتب ذات القماطر المجلدة والطرر والمخطوطات عموما…
لا أقول هذا تعصبا لكل قديم ولا رفضا لكل جديد بل أتحدث عن واقع لا يستطيع أحد إنكاره يا أسفاه
أعرف أن مِن بين الطلاب من تجاوز مرحلة اللوح الضرورية لحفظ المتون الأسياسية لكن غياب اللوح عند بقية الطلاب أمر لافت للانتباه”
هي إذن علامة قبول، و سيما محبة وتقدير، أكرم الله بها شيخا أوقف حياته للعلم ونشره، و العبادة، معرضا عن ملذات الحياة الدنيا، ومغرياتها.