النص الكامل لخطاب إعلان ترشح د. نور الدين محمد لرئاسيات2024
بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
السادة والسيدات،
تقترب بلادنا موريتانيا اليوم من منتصف عقدها السابع بعد الإستقلال، وقد قضت النصف الأول من عمرها الوجودي بين فترة تأسيس مدنية، لها ما لها وعليها ما عليها، أنهكتها حرب ضروس هوجاء، انتهت بانحسار حوزتها الترابية و سقوط إدارة شؤونها العليا بين أيادي عسكرية لم تُحسن إدارة الحرب ولا المَخرج منها، فكيف بإدارة شؤون السِّلم في أكناف دولة مدنية برمتها؟! تولتها باسم مؤسسة هي منها براء … فما زادوا على عسكرة حكامتها و العبث بشؤونها بالدخول في سلسلة انقلابات عسكرية مزاجية وعشوائية ، طبعها فقدان الوجهة وانعدام الرؤية و رداءة الفكر و غياب المنطق و تعثر المشروع و ضبابية التصور وضعف التنظيم وسوء التقدير و فساد التدبير. ثم جَرَّبت الدولة خلال النصف الثاني من سبعينيتها جمهورية موزية معتلة و ديموقراطية منقوصة مختلة، مَكَّنت عقيدا من حكمها 21 سنة، وجنرالا أولا 10 سنين، وها هو جنرالها الثاني –رفيق الأول وخليله- يكمل خمسية أولى من العدمية السياسية النادرة و من الفشل الإداري المركب و من الخراب التسييري والتخبط في الحكامة …الذي لا تقف انعكاساته ونتائجه الكارثية الترددية تحت أي حصر. كنسخة لا تقل سوءً عن سابقاتها و سالفاتها من عهود حكم العسكر للدولة المدنية وتسيير نياشين الانتهازية و الحربائية السياسية لمستقبل البلاد …
أيها المواطنون أيتها المواطنات،
إنكم اليوم تتجرعون نتائج عقود مريرة وماحقة، من انحطاط مفاهيم العدالة و اندثار أساسات الوحدة الوطنية، وانهيار منظومة التربية والتعليم، وغياب الوقاية والصحة معًا وانفراط العقد الاجتماعي ، مع تراجع الديبلوماسية و تقهقر صوت موريتانيا إقليميا و في المحافل الدولية. أضف إلى ذلك، ما آلت إليه المنظومة الأمنية والدفاعية للبلد من هشاشة وتردٍّ في محيط إقليمي مضطرب و غير بعيد من بؤر الصراعات الدولية الخطيرة. و لا أَمَرَّ من ذلك سوى ترهل المنظومة الاقتصادية للبلد، وفوضوية أجهزته و ميكانسماته الإدارية والمالية… فانقلبت المفاهيم السليمة و تراجعت القيم الرفيعة و انحلَّت الأخلاق و اختلَّت الأفهام و فسدت المفاهيم و تشوهت المُثل و رُفعت الأسافل وحُط العَلي ودِيست الكرامة و تكلمت الرويبضات وتصدَّر الجهل واحتشمت الحكمة ونضبت الأخلاق و قلت المروءات و تهاوت المُثل… فاستفحلت القبلية و تنامت الشرائحية و استشرت الجهوية والمحسوبية والزبونية، و تجذرت مخلفات الرق والطبقية و تقادم الإرث الإنساني رغم ثبات أحقيته…فضاعت حقوق عظيمة، و أُغفِلت واجبات جسيمة، و انتُهكت الأعراض، واستُبيح المال العام و استُحلت أقوات الشعب و بُددت خيراته و بُذِّرت ممتلكاته و خَرِب عمرانه و تبعثر سُكَّانه وتشرد أبناءه و تغربت ماجداته و داهن علماءه و ازدريت سيادته ونافقت نُخبه وتملقت موالاته ويئست معارضته …
مواطنيَّ الأعزاء، أبناء بلدي الجريح،
أمام هذه الصورة المؤلمة البشعة القاتمة، كواقع مُعاش موضوعي لا كتشاؤم مُفتعل أو مبتذل، لم يعد يراود أقل العقلاء حصافة وأدنى الحصفاء قريحة وأضعف المؤمنين فَراسة، أدنى شكٌّ أن مشكلة هذا البلد ليست في شواطئه الكبيرة الغنية بأجود الأسماك و لا في جباله وهضابه وسطوحه و سواحله التي تَئِطُّ بأجود أنواع الحديد والذهب والغاز والنحاس والفوسفات، واليورانيون والهيدروجين الأزرق… و لا في مناطقه الزراعية والرعوية الشاسعة ذات النهر الممتد جنوبا لنحو 600 كلم، ولا في بحيرات مياهه الجوفية الكثيرة…
بل مشكلة موريتانيا الحقيقية تكمن في غياب الحكامة الرشيدة، التي هي نتيجة مباشرة وحتمية لتسليم رئاسة البلاد لحاكم غير رشيد… أي الذي لا يعدل في الرعية ولا يقسم بالسوية و لا يحسم في القضية … وهو نفسه ولي الأمر الذي لا يحسن اختيار الأعوان، بل يقدم تثبيت حكمه وبقاء نظامه و تحكم أنصاره و بطر مقربيه و عُتو أتباعه وغلول رفاقه و مَرضاة أهله وأزلامه و ترف بلاطه و تسمين حاشيته في مفاصل الدولة على حساب مصلحتها و مستقبل أجيال شعبها ومؤشرات سعادة أفراده وحياتهم الكريمة…
أيها الجمع الكريم،
إن مشكلة هذا الشعب في خيانة القائمين على تسيير شؤونه للأمانة الشرعية والقانونية والأخلاقية، بالتقاعس عن القيام بواجباتهم المنوطة بمناصبهم ومزاياهم و عدم إسناد الأمور إلى أصحابها وعزوفهم عن تكليف الأصلح فالأصلح لما ينفع الناس ويمكث في الأرض…
فمشكلة هذا البلد إذن تتلخص في سوء تسيير مصادره البشرية والمادية والمالية…
و لقد قام شبابٌ وشيب كان لنا شرف جمعهم على كلمة إصلاح سواء، سميناها حينئذ “مشروع إلى الأمام موريتانيا” قبل 7 سنوات، قاموا بتسطير مئات الأفكار الإصلاحية الناهضة، قاهرين بذلك تنوع مشاربهم و اختلاف مرابعهم، إذ لم يجتمعوا إلا في الله والدين والوطن… فنسجوا نواة فكرية إصلاحية متماسكة ومتناغمة تتألف من أكثر من 700 فكرة علمية ناهضة بعد أشهر طويلة من التفكير و التنقيح والمداولات والتطوير… لتصل اليوم إلى نضج برنامج رئاسي عقلاني و متكامل، يحمل في طياته تصحيح مكامن الخلل المستديم، وترميم مواطن الزلل الأثيم، في جسم الدولة الموريتانية، بفكر واقعي، ثابت، ناهض، واقعي وطموح … فأتاحت السانحة في عامكم هذا، ترشيح هذا البرنامج الإصلاحي بين يدي كوكبة من أطر هذا الوطن المخلصين الصادقين، لأعلن لكم اليوم –على بركة الله- بكل شرف واعتزاز ترشحي باسمهم لنيل ثقة الشعب الموريتاني المسلم المسالم الصابر المظلوم… في الانتخابات الرئاسية المزمعة في يونيو حزيران 2024 المقبل، بمشيئة الله وتوفيقه.
أيها السادة والسيدات،
لا يمكنني ختاما إلا أن أتذكر و أتذاكر معكم، بعضًا من آلامنا وأتراحنا، جملةً لا تفصيلا، مثلًا لا حصرًا، اهتمامًا حقيقيا لا لغة خشب سياسية موسمية …
وهنا نقف وقفة إجلال لجنودنا وضباطنا المهنيين الواقفين بشجاعة على الثغور، لتأمين الحوزة الترابية رغم اتساعها ومحدودية الإمكانية المتاحة لهم … فنقول أن زيادة كبيرة في عَددهم وعُدَدِهم و عتاداهم وأجورهم و رواتبهم ومعاشات تقاعدهم و جاهزيتهم … مسألة أمن قومي و أولوية قصوى تتجاوز كل الخلافات والإختلافات … كما أن النَّأْي بهم وبمؤسستهم الوطنية –صمامِ أمان الوطن- عن أوحال السياسية و حديث المتسيسين واحلافهم وصراعاتهم…أمر لا مناص منه … فلم يعد البتة مقبول ولا مستساغ في عصرنا التمترس في أحضان هذه المؤسسة المحترمة، التي تحتضن الشعب بأسره، و التسلق على ظهرها وانتهاز هيبتها … للوصول خلسة أو بواسطة ديموقراطية مغشوشة إلى تسيير شؤون البلد المدنية برمتها، دونما قدرة علمية وخبرة إدارية و أمانة أخلاقية معلومة وكافية … فلا يمكن لصمام أمان الأمة الموريتانية أن يحميها من الخارج و يرعى فسادها من الداخل و يُقره …
مواطني الأعزاء، أبناء بلاد المنارة والرباط،
مواطناتي الكريمات، ماجدات بلاد شنقيط،
إن استصغار الشباب بأبوية مستديمة وعقيمة لم يعد مقبولا، فهم أغلبية هذا الشعب الساحقة و فئته الغالبة و شريحته العظمى التي تخترق و تكبر كل المجموعات والفئات عددا وقوة وحماسا و نشاطا ونظافة … فتمكين الشباب و وصوله لأعلى مناصب تسيير شؤون دولته وتأمين مستقبلها أمر مفروغ من مصيريته اليوم، سيكون الشباب فيه هذه المرة هو الفاعل، لا المفعول به بإذن الله … هذا الشباب الذي فضلت عشرات الآلاف منه الهجرة عن أهلها وأحبابها ووطنها، نحو المعلوم والمجهول طلبا لحياة كريمة، وأعينهم و أعين أمهاتهم و آبائهم تفيض دمعًا وحزنًا على وطن أصبح طاردًا لفلاذات أكبادهم بسبب رعونة أنفس ودناءة همم مئات أفراد فقط ممن يقومون أو يسترزقون صدفة وظلما بتسيير شؤونه… لن ينتظر هذا الشباب إلى الأبد حتى يُؤكل يوم أُكل الثور الأبيض، فيهجر كله أو جله …
أيها الموريتانيون، أيتها الموريتانيات،
إن عشرات الآلاف من الموريتانيين من دائني فلان وعلان، قد ضاقت بهم الأرض بما رحبت فضاعت حقوقهم بسبب غياب الدولة وفساد نُظمها المالية والقضائية، أما العقدويون في التعليم وفي الصحة، فحدث ولا حرج، فمن يعرقل ويمنع اكتتاب الأطباء والممرضين في شعب تكتظ مستشفياته ومطاراته القليلة بالمرضى والمصابين لن يحل مشاكل العقدويين … ولا أحدثكم عن فشل الإكتفاء الذاتي في الزراعة و في كل المواد الاستهلاكية دون استثناء …. ولن احدثكم عن نكتة الاقلاع الاقتصادي ولا عن بنك البذور والأسمدة الزراعية ولا عن مزرعة تكانت النموذجية ولا عن جسر ملتقى مدريد او الحي الساكن ولا عن أضحوكة ملابس المدرسة الجمهورية و لا عن مكب تفريت المسرطن ولا عن اختناق ساكنة عاصمتنا الاقتصادية انواذيبو بدخان موكا، ولا عن استنزاف باخرات الأجانب لقاع محيطنا من الاسماك، ولا عن فشل الحملات الزراعية المتتالية وصغر المساحات المستغلة لصالحها وكثرة النزاعات عليها بسبب انعدام العدالة في توزيعها أصلا … وهل تريدونني أن أحدثم عما تعلمون من مشاكل التنمية الحيوانية و ما يقاسيه المنمون في بلدنا كما قاساه المزارعون من ويلات سندان الشح ومطرقة إدارة الدولة الفاسدة، وهل أحدثكم عن مشاكل التنقيب والمنقبين، وما أدراك ما مشاكل المنقبين، وما يُقاسون في مجاهرهم من ضَنَك الحياة وشظف العيش وسوء المستقر، وخذلان الإدارة وتواطئها مع أصحاب النفوذ الحرام … ينضاف إليه قتلهم بدم بادر على الحدود الشمالية كما قتل إخوتهم كالذباب على الحدود الشرقية بسبب صراعات إقليمية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، إذ ذنبهم الوحيد أن لديهم حكومة لا تزال تنتظر اعتذارا من الجار والاجانب عن دمائهم الزكية … وهل تريدون الحديث عن فقدان عملتنا ورمز سيادتنا في إفرقيا: الأوقية، لخمس قيمتها مؤخرا دون ان تنطح في ذلك شاة شاة … وعن الزيادات المتتالية المهولة في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية … التي تفاقمت أكثر بالزيادة التاريخية التي شهدتها أسعار الوقود بالثلث الذي لم يسبق له مثيل دفعة واحدة منذ انتشاء البلد … أم تريدونني أن أذكرم باستعداد حكامنا الحاليين لتوقيع اتفاق هجرة مع الاتحاد الأوروبي يمس مباشرة الأمن القومي والتركبة الديموغرافية للبلد … اللهم إن هذه كلها وغيرها مناكر أنكرناه … اللهم فاشهد.
العظمة لله العدل الحق، و المجد للمواطنين الصادقين الصابرين، الطامحين لاستنشاق عبير ورياح التغيير المباركة، الذين لم ينقطع حبل أملهم في الله رغم مسوغات الإحباط و دوافع الياس والتيئيس
…
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
و الله ولي التوفيق … والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته