نصائح للمدرسين الجدد/خالد الفاظل
أتمنى سفرا سعيدا للمدرسين الجدد وهم يساقون لمساراتهم التربوية النبيلة، وبصفتي مررت بهذه التجربة وعشتها في أكثر الأماكن في موريتانيا عزلة ومشقة، فإنني أنصحهم بالآتي:
– صحتك أولا؛
لا تكن بخيلا مع نفسك، حتى ولو كانت الوزراة بخيلة معك في العلاوات. المشوي كل أسبوع مفيد نوعا ما للمعنويات، اشتري وسادة مريحة من أجل نوم هانئ وسعيد. ولا تعتقد أن التقشف يمكن أن يساهم في تراكم المدخرات مستقبلا، بالعكس؛ هو مضر للغاية بالصحة النفسية. إذا كانت خيارات التحويل متاحة لك، اختر الأماكن التي تكون فيها جودة الهواء والماء أفضل. لا تتجاوز طاقتك من أجل مداخيل الدروس الخصوصية، ستخسر صحتك وهي الأهم. التدريس مهنة شاقة بدنيا ونفسيا، خاصة مع التفاني. لديك تأمين صحي، قم بإجراء فحص بعد كل اختتام للعام الدراسي..
لا تدخر السعادة أبدا، ولا تربطها بالمستقبل أو بتوفر ظروف معينة..
– أناقتك
ابتعد عن المظهر المتمسكن، الأناقة لا تحتاج للكثير من الموارد، بل لتنظيم محكم لما يوجد في الحقيبة من ملابس وأحذية مع التركيز على النظافة. وينصحُ بالملابس العصرية بدل الدراعة، لأن ميزانية الأخيرة كبيرة كما أنها سريعة التفاعل مع عوامل التعرية
– الفراغ
ستعثر في رحلتك على كنز ثمين ربما لا تتفطن له في بداية تجربتك، أنه الفراغ. خاصة إذا كنت تقطن في أماكن بعيدة، حاول أنه تسثمره في التحضير والقراءة وتقوية مهاراتك في الأمور التي تهتم بها…
– السكن
كلما كانت هناك فرصة ما للسكن المستقل، فذلك أفضل بكثير. حتى ولو بدا لك أن السكن تحت رعاية الآخرين ربما يكون مفيدا لميزانيتك..
– التدريس
كن جادا وأمينا ومخلصا بمقدار طاقتك، وليس ذلك من أجل الوزارة طبعا، بل من أجل الله ونفسك وراحة ضميرك مستقبلا. الوزارة ربما لا تنتبه لك إذا لم تأخذ طريق (الوساطة) مع بعض الاستثناءات. لديك فرص كثيرة للتعبير عن مشاكل التعليم في مكان عملك، لا تضيعها، وكن صوتا صادقا ومسموعا لواقع التعليم في منطقتك وشارك في كل توجه إصلاحي. لكن؛ لا تكن بريئا للغاية، فما تسمعه وتراه سواء كان رسميا أو نقابيا أو افتراضيا، ليس بالضرورة هو ما يحدث تحت الطاولة. كن موظفا صالحا بغض النظر عن كل الإغراءات والإكراهات، لكن تسلح ببعض الواقعية..
– التلاميذ
كائنات طيبة وإن بدت في بعض الأحيان مزعجة، لا تأخذ أبدا أخطاءهم بشكل شخصي. لتكن كل حصة جديدة هي فرصة جديدة لكل تلميذ يسعى للإفادة ومهما كان ماضيه القريب سيئا. لا تعاقب التلاميذ على السعادة والتعبير عن الرأي والأسئلة ومهما كانت جرأتها. كما يجب أن لا تأخذ تطبيلهم على محمل الجد، كن حذرا جدا، أنهم يشبهون الشعب الموريتاني. كنت حذرا أيضا عند استخدام الألفاظ مع التلاميذ، فنفسياتهم ما زالت هشة. لا تحرجهم أمام أقرانهم؛ بالتعجيز أو الشتائم القاسية أو النقد اللاذع والفردي..
– العُقد
بعض المدرسين يقعون في هذا الفخ. حاول أن لا تكون فطنا أكثر من اللازم وتجاهل كل الأشياء التي لا تؤثر بشكل مباشر على الحصة وسير الدرس، وابتعد عن تكرار عبارات وحركات معينة، والحديث عن نفسك وتفخيمها. ولا تفرط مطلقا في هيبتك، ولو أن تصعد بها على رأس السبورة..
– طرق التدريس
حضر درسك جيدا حتى لا تصاب بالعشوائية، وزاوج بين كون المدرس بشر يخطئ وأن لا شيء مقدس سوى الحقيقة، وبين كونك المرجع المعرفي ومصدر الصواب حتى لا يفقدوا الثقة فيما تقدمه. ولا تنس أيضا أن المدرس مجرد تلميذ يحضر الدروس، عليه أن يجتهد هو الآخر. حاول كل مرة أن تسأل نفسك هل فهمت الدرس الذي قدمته؟ ربما لا تكون مدرسا لامعا؛ لكن حاول أن تبذل جهدك، مع الحرص دائما على الأمانة العلمية وتجنب التمادي في الخطأ عندما تكتشفه، ولو بعد عام..
الهدف من التدريس أن يفهم التلاميذ، كل ما يخدم هذا التوجه فهو تربوي، حتى ولو تطلب الأمر شرح الدروس عن طريق الرقص!
– العاطفة
لا تتعامل مع محطات مسارك بعاطفة مفرطة، مهما مكثت وتفانيت ستُنسى على كل حال. لذلك؛ لا تظن أن مكانك لا يمكن سده، حاول أن تتقدم..
– الشغف
إذا كنت تحب هذه المهنة ومجتهدا فيها، ستستمتع بوقتك رغم الإجهاد، وستعيش مرتاحا رغم التقلبات المادية. وسترى جهدك يزدهر خلف أجيال ساهمت تضحياتك في صنع طريقها. وإذا لم يوجد الشغف بشكل عميق، فلن يمر الوقت بشكل جيد..
– القروض
ستدخل بنكا مكيفا على عكس قسمك في مدرستك المحطمة النوافذ ربما، وستشم فيه رائحة النقود الزكية، إذا كنت تستطيع أن تستمر في تسيير حياتك دون اللجوء للقروض المجحفة، فذلك أفضل..
– الراتب
رغم أنه ربما لا يفي بالغرض غالبا، لكنه إذا كان حلالا وجاء بعد جهد وإخلاص فإن له نكهة لذيذة. توجد طرق كثيرة للتحايل على الراتب، الغياب، والتفريغ، والتمارض، والتقصير. لكن تذكر أن راتبك من المال العام، وحتى لو غاب الحساب في الدنيا جراء ضعف الرقابة، فإنه لا مهرب من المساءلة يوم الدين..
– التصحيح
هو أصعب ما في عملية التدريس، لأنه سيفتح عينك على مشقة تطبيق العدالة بدقة وخطورة الظلم أثناء التعامل مع الأوراق. لا تبالغ في التشدد، ولا تبالغ في التسامح أيضا، وكنا منصفا ومرنا…
– المزاج
أحيانا يمر المدرس بمزاج سيئ أو مشاكل شخصية ربما تنعكس سلبا على تصرفاته. إذا لم تكن متأكدا أنك في هذه الحالات بمقدورك السيطرة على نفسك، فمن الأفضل عدم تقديم الحصة وتعويضها في وقت آخر..
– الزواج
هذا أمر شخصي بكل تأكيد؛ لكن؛ إذا استطعتَ أو استطعتِ أن يكون الشريك الآخر من خارج قطاع التعليم؛ فذلك أفضل من الناحية الوجدانية. لتجنب وجود سبورة مزدوجة في حياتك، واحدة في مقر العمل وواحدة في المنزل…
ملاحظة، ربما لم أطبق كل هذه النصائح ، لكنني ربما اكتشفت بعضها بشكل متأخر. خاصة تناول المشوي بشكل متناوب. وطبعا هنا أقصد المشوي الحقيقي الذي تعرفونه، وليس أي مشوي آخر في عالم المجاز والكنايات…