جنون الدعاية لدى المجتمع اليوم./الولي طه
تدوينة
من مميزات هذا الشعب أنه كان حصيفا، خصوصا في حياته الاجتماعيه، وكان لذلك أثره بمستوى لا بأس به من الاستقرار والبركة الاجتماعية، فكانت كل إجراءاته تتم بلباقة وحصافة وستر، واليوم انقلب كل شيء بارزا مُنَمقا تنْميقَ الطّلاء والقُشور الخاوية من كل مضمون وثيق.
كان الفتى يخطب فتظل الخِطبة سرًّا بينه وبين السيدة وأهلِها لمدة مقدرة، وهو يُحِسُّ أنه أمام مسؤوليةٍ يُخاطِبُ فيها ذاتَه ويُدبِّر أمرَها، وقد يَبوح بِها لأهل وده ومشورته فقط.
واليوم تبدأ الدعايةُ منذ لحظة الخِطبة الأولى، ويتدخل الجميعُ بالتهانئ والتبريكات، وربما بأشياء أخرى، وتأخذ القصةُ طابعا مظهريا زائدا يستفرغ نشوةَ الحدث، ويُبْرِدُ من عزيمة الشاب، ويحرف بوصلة تفكيره الرجولي الاجتماعي حين يُصبح مُشارَكًا منذ البداية في صناعة أحداثِه الشخصية، وهو ما سينعكس سلبا على مستوى التحمل اللاحق للمسؤولية التي تواجهُه دون أن يكون على مستوى التصور، فتدفعه استحقاقاتُها إلى التفَصِّي منها بسهولة فيتخرَّب البيت نظرا لعوامل ليس أقلَّها عدمُ الحكمة في بداية التأسيس.. انسياقا مع الطابع المظهري والدعائي الذي بدأ ينخر المجتمع في تفاصيل حياته.
ولعل هذا الأثر مما دعا الشريعة إلى استحباب كتم الخِطبة إلى أوان العقد كمابين صاحب الكفاف:
وتستحب خُطبة لخاطب * وعاقدٍ وقابلٍ لم تطنب
وكتم أمرها إلى التعاقد * وكونه من بعد عصر الشاهد
واليوم أصبح كل شيء مكشوفا في هذا المجتمع…
الخطبة تلوكها الألسن وتتحرك الوفود وتطلق لها الزغاريد والتهاني… وهي مجرد خِطبة.
والأطعمة تتراقص جفانها على مواقع التواصل وهي بين أيدي الآكلين، وكل أسرة تُعَرِّف بأطفالها فردا فردا على هذه المواقع، ولكل طفل قصته، وأبسط صداع لأحد أفرادها يصير حدثا يكتب.
ومْع هذا كاااامل الا تنزل البركه.