لنتغلب على أخطاء التصحيح
كليم الله محمدي/مكون بمدرسة تكوين المعلمين بانواكشوط
ليس من السهولة أن يُظلم تلميذ في تصحيح امتحان وطني ظلما بينا عن سبق عمد وترصد، رغم أن التصحيح جزء من العملية التربوية، يتأثر بما تتأثر به سلبا أو إيجابا، ولكن عملية التصحيح تتميز بأنها عملية تشاركية، يقوم بها عدة أشخاص، على عدة مراحل، مما يقلل نسبة الخطأ فيها، ويجعل التقصير فيها -إن حصل- يبدو واضحا للعيان محدد الجهة، إذا أردنا التغلب عليه.
وتمر عملية التصحيح في الامتحانات الوطنية بمحطات أساسية، من أهمها اختيار المصححين ورؤساء المراكز، ولجان السكرتيريا والتوهيم، فالدخول في العملية الإجرائية للتصحيح الفعلي، والتي تبدأ بالتصحيح النموذجي، ثم تلي هذه المراحل مرحلة إدخال النتائج، فالإعلان عنها لاحقا.
وفي كل محطة من هذه المحطات يمكن تسجيل بعض الملاحظات، والتي قد تؤثر سلبا على العملية برمتها، إذا أسند الأمر إلى غير أهله، وغيب الأكفاء والمؤهلون لأداء المهمة على الوجه المطلوب.
وإذا كانت مرحلة الدخول في تصحيح أوراق الامتحان من أهم تلك المحطات وأكثرها حساسية، فإنها تعتبر من أكثر المراحل اعتمادا على العمل الجماعي التشاركي، فورقة إجابة كل تلميذ تصحح من قبل مصححين اثنين، ولو افترضنا أن أحدهم تساهل، أو أخطأ التقدير، وأعطى نتيجة لا يستحقها التلميذ، وأعطى الثاني نتيجة مغايرة، وتجاوز الفارق أربع نقاط، فإن الورقة تصحح مرة ثالثة، ويكون التصحيح الثالث عادة، إما بالتشاور بين المصححين الأولين لإعطاء نتيجة موحدة، بعد مراجعة الورقة معا، أو اعتماد مصصحين آخرين، أو إنشاء لجنة لمعرفة أين يكمن الخلل؟
لذا من الصعب أن يجتمع كل هؤلاء على ظلم تلميذ، فتكون النتائج التي يحصل عليها التلاميذ، بشكل عام، مستحقة بنسبة كبيرة، على الأقل حسب تقدير المصحح، وذلك وفق التصحيح النموذجي الذي يتم إعداده جماعيا؛
ومع ذلك لا يخلو أي عمل بشري من الخطأ، حتى ولو تم الاجتهاد على القيام به على أكمل وجه، وبالتالي لا تخلو عملية التصحيح أيضا من أخطاء، لا شك أنها ستنعكس سلبا على مخرجات العملية التربوية، مما يتطلب منا أن نكون على قدر كبير من التحدي والمسؤولية، وأن نجتهد كثيرا لتفادي تلك الأخطاء التي يمكن اعتبار بعضها قاتلا، فليس ضياع مستقبل تلميذ بالأمر الهين.
وليست حادثة التلميذة السالمة السنة الماضية منا ببعيدة، وقد ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، وهي حادثة كادت تنقل تلميذة من درجة الامتياز والنجاح من الدورة الأولى إلى التعثر والذهاب إلى الدورة التكميلية، بل قد تُحدث مثل هذه الحوادث تأثيرات كبيرة على نفسية من ثابر، واجتهد، فتحطمت آماله على صخرة خطأ، كان من المكن أن لا يقع، لو اتخذت الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب.
لقد كان لتسليط الضوء على قضية تلك الفتاة إعلاميا دور كبير في إنصافها، ولكن، كم من أمثالها لم يجد من يسلط الضوء على قضيته، بل كم قضية مثلها لم ينبس فيها أحد ببنت شفة، والله أعلم بحال أصحابها الآن.
ولقد سمعنا مرات عديدة عن حالات لكثير من الطلاب المجدين الذين تأثرت حالاتهم النفسية جراء نتائج امتحان البكالوريا، وكيف حولت نتائجها أحوالهم رأسا على عقب، ولا نستبعد أن يكون من بين ذلك خطأ ارتكبه البعض في حق أولئك التلاميذ عن قصد أو عن غير قصد.
إن القصص التي يرويها الزملاء حول غرائب التصحيح التي لا تكاد تخلو منها سنة تحتاج منا التوقف عندها والتأمل.
فمن المعروف أن تصحيح البكالوريا مثلا ينبغي أن يسند إلى الأساتذة الذين يدرسون السنة السابعة فقط، والذين تتوافر فيهم الكفاءة والجدية، ويعرفون دقيق البرنامج، إلا أنه في كل مرة يحدث شيء من خلاف ذلك، فمن بين المصححين نجد أساتذة لا يدرسون السوابع، ومديري دروس، ومن يصححون مواد خلاف موادهم التي يدرسونها حاليا، وعند كل نقص في المصححين المعتمدين يعوض بأحد الواقفين عند الباب، وقد يكون ذلك دون التحقق من أهلية الوافد الجديد، فيكون التلميذ هو الضحية.
ولقد حدثني أحد المشرفين على تصحيح البكالوريا بالمدرسة الملحقة، أنه في إحدى المرات، أعطى مصحح إحدى المواد العلمية لطالب 19 درجة، بينما أعطى له أستاذ التصحيح الثاني 8 درجات، ومن المعروف أن المواد العلمية أكثر دقة في تحديد الدرجات عن غيرها من المواد؛ فحرص الأستاذ الأول -بعد حديث طويل- على أن يكون التصحيح الثالث مشتركا بينه وبين الأستاذ الآخر، حتى لا يظلم التلميذ الذي تأكد المصحح من حسن إجابته واستحقاقه نتيجة مميزة، وبعد المراجعة والتدقيق بين الأستاذين، تبين أن التلميذ يستحق 19,5، وأن المصحح الأخير إنما كان “گزانا”، وكان من الممكن أن ينقص معدل النجاح للطالب، إذا لم يعتمد التصحيح المشترك.
هذه الحادثة تتشابه مع كثير من الحوادث عاشها بعض الزملاء، وحدثت مثلها معي شخصيا، دون أن نسمع عن تحقيق حولها، يبين مكمن الخلل.
مثل هذه القصة وغيرها من القصص لا تشكك في مسار تصحيح الامتحانات الوطنية بقدر ما تفرض علينا البحث عن آلية دائمة للتحسين من جودة عملية التصحيح، والتغلب على الأخطاء التي قد توجد فيها، بدءا باختيار الطواقم التي تقوم على العملية وانتهاء بإعلان النتائج.