الصناع التقليديون يشكون تراجع العائد الاقتصادي واستمرار”التهميش”
الصناعة التقليدية، حرفة تراثية، تمارسها فئة من فئات المجتمع الموريتاني، تسمى “الصناع التقليدين” وتعرف محليا ب ” لمعلمين” ويتوارث أفراد هذه الفئة، مهنة الحدادة، والتطريز، وغيرهما، أبا عن جد، وكابرا عن كابر ، لكن تراجع الاهتمام بالصناعة التقليدية لصالح الصناعات الحديثة عمق معاناة الصناع التقليديين إضافة إلى معاناتهم النفسية جراء رواسب التهميش التي يقول نشطاء الشريحة إنها مترسخة في الثقافة الاجتماعية، بفعل النظرة القاصرة للحرف اليدوية.
بوشامه صانع تقليدي أفنى زهرة شبابه في ممارسة المهنة، يجد متعته في ممارستها، وسعادته الحقيقية في تلبية رغبات زبنائه في ورشته بالمعرض الوطني.
يقول بوشامه في حديثه معنا : ” كان الصانع التقليدي بمثابة السلطان في المجتمع، حيث يحظى بتقدير الجميع، ويعملون جميعهم على توفير حاجاته اليومية، وتقديم الهدايا له، كونه مشغولا يومه كله في توفير الوسائل الملحة للأسرة الموريتانية( أثاث الخيمة الموريتانية، أواني، أغطية وأفرشة، وغيرها من أدوات الحرب والسلم، التي كان يوفرها الصانع التقليدي)، لكن المنتوج الذي توفره الصناعة التقليدية، انتقل من طور الحاجة والضرورة، إلى طور الكماليات، بعد أن انتفت الحاجة اليومية إليه، مع مطلع تسعينيات القرن الماضي، غير أنه أصبح تراثا قيميا تجب العناية به، والمحافظة عليه.
وتقدم بوشامة للجهات المعنية بجملة من المطالب، يراها ملحة :
ـ ترقية الصناعة التقليدية، والاهتمام بالصناع التقليديين، الميدانيين، وتثمين إنتاجهم
ـ ضرورة احترام السلطات لتعهدها بإعطاء الأولوية في ورشات قرية الصناعة التقليدية -قيد الإنشاء- للصناع التقليدين، العاملين سابقا في المعرض الوطني.
ـ توفير الآلات التي يحتاجها الصناع التقليديون، للتطوير من إنتاجهم وزيادته.
ـ توفبر الإمكانيات اللازمة للمشاركة في المعارض الدولية، ليتمكن الصناع التقليديون من تسويق بضاعتهم بأنفسهم، قطعا للطريق أمام منافسة غير الصناع التقليدين لأصحاب المهنة
ـ استحداث بطاقة مهنية تحدد من هو الصانع التقليدي المهني
ـ تشييد قرية صناعية في كل عاصمة ولاية
ونفى بوشامه، وجود خلاف داخل الصناع التقليديين، مؤكدا على ضرورة تنقية القطاع من المتاجرين بقضايا الصناع التقليديين، من غير الممارسين للمهنة.
بدوره قال الشيخ ولد بيب قيادي في (حراك لمعلمين) إن واقع الصناعة التقليدية كحرفة، واقع مزر، ولذلك أسبابه الجذرية، فالدولة لم تعط هذه المهنة الاهتمام الذي تستحق، ظهر ذلك جليا في غياب البنية التحتية اللازمة لتطوير الصناعة التقليدية، وغياب التمويل الضروري لتسويقها وتحسينها.
وأعاد ولد بيب تصرف السلطات اتجاه مهنة الصناعة التقليدية، إلى النظرة الدونية التي ينظر بها المجتمع لهذه المهنة وأهلها، وعدم الاقتناع بدورها في محاربة البطالة.
و أضاف بأن أعداد العازفين عن المهنة من أبناء الصناع التقليديين في تزايد، لضعف عائدها المادي، مما سيجعل الدولة أمام تحد كبير، يضاف إلى التحديات التنموية الكبيرة التي يواجهها البلد، وهو انضمام أفواج جديدة من الشباب إلى ركب العاطلين عن العمل.
ونوه ولد بيب : إلى أن من أبرز مهام الحكومات الملف التنموي، وهذه الصناعة تدخل رسميا في هذا الإطار، وممارسوها مواطنون يستحقون الاهتمام، والعيش الكريم، و مهنتهم هي البوابة التي يمكن من خلالها خدمته، لذا يجب توفير التمويل والرعاية لها، حتى يكون لها عائد حقيقي يدر دخلا معتبرا على ممارسيها.
عوائق أخرى..
و خلص ولد بيب إلى أن عديد العوائق مايزال حاجزا منيعا دون تبوؤ الصناعة التقليدية المكانة اللائقة بها، والتي يطمح لها أصحاب المهنة، وقد أجمل هذه المعوقات فيما يلي:
ـ غياب مخصصات تتناسب مع حجم الكتلة البشرية الممارسة للصناعة التقليدية، تضمن لأصحابها توفير ضرورات الحياة، وتعليم أبنائهم، وعدم العزوف عن هذه المهنة الشريفة.
ـ الصناع التقليديون أنفسهم ساهموا في إضعاف مهنتهم، بعدم استغلال سلاح التصويت لصالحهم، بواسطة ترشيد الأصوات، و إعطائها لمن يخدم قضيتهم ويدافع عنها، ومعاقبة من لايخدمها، بالتصويت ضده.
ـ المبادرات الداعمة للأنظمة من طرف النقابات المهنية للصناع التقليديين ودعمهم المجاني للحكومات، انعكس على قضية الصناع التقليدين سلبا.
ـ ممارسو المهنة جيل قديم، لايدرك أساليب الضغط هذه ( سلاح الأصوات) و الجيل الشاب- كما ذكرت سابقا- عزف عن هذه المهنة، لضعف دخلها، وللنظرة الدونية لها من طرف المجتمع.
مقترح للحل..
ويرى ولد بيب أن طريق الحل يتمثل في:
ـ إيمان الصناع التقليديين بمهنتهم، باعتبارها مهنة لا أصلا، وهي وسيلة للعيش الكريم، لا أكثر ولا أقل.
ـ العمل عللى إقناع الدولة بأهميتها،
ـ إحصاء لممارسي المهنة، وتخصيص ميزانية بحجمهم، ومنحهم بطاقة مهنية خاصة بهم.
ـ إشراك البلديات والمجالس الجهوية المنتخبة في تمويل هذه المهنة.
ـ فتح صندوق يقدم قروضا ميسرة لأصحاب هذه المهنة.
الحكومة الموريتانية أطلقت البرنامج الوطني لترقية الصناعة التقليدية، الذي يهدف بحسب وزارة التجارة والصناعةالتقليدية إلى:
” وضع سياسة تهدف إلى حماية وصيانة الصناعة التقليدية باعتبارها موروثا حضاريا متنوعا ودمجها في الدورة الاقتصادية للبلد وتحفيز القدرات الإبداعية الخلاقة لدى الصناع التقليديين”
وأضافت الوازارة بأن البرنامج” سيتيح للمواطنين المبدعين والمهرة، فرصة ثمينة للإسهام الملموس في تنمية الاقتصاد الوطني وفي خلق نشاط متنوع ومندمج وذي قيمة مضافة”..
وتجري حاليا في ولاية انواكشوط الجنوبية، أشغال قرية للصناعةالتقليدية، تهدف- بحسب الحكومة- إلى تطوير وتفعيل أداء الصناعة التقليدية، وتعزيز مساهمتها في الاقتصاد الموريتاني، بتمويل من خزينة الدولة، قدره 4 مليارات و 314 مليون أوقية قديمة.
وتحوي القرية جناحين للعرض بمساحة إجمالية تقدر ب 12730 مترا مربعا، و100 ورشة ومنصة عرض، و أجنحة للإنتاج تضم 150 ورشة على مساحة 5645 مترا مربعا، ومدرسة للتكوين.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية