التعليم في موريتانيا : الإكراهات و التحديات / الباحث الجامعي : الصديق باب ولد متالي
من الصعب التطرق بشكل عام لمشاكل قطاع التعليم في موريتانيا و الذي مر بمحاولات إصلاح لا نشكك مبدئيا في نيات أصحابها كإصلاح ؛
(59 -67 – 73 – 79 – 91 – 99 – 2021م )
لكن واقع هذا القطاع يتطلب منا كباحثين حلحلة “مشاكله” لتبيان الصعوبات والاكراهات التي تواجه الإصلاح المأمول لاعتبارات ذاتية وأخرى موضوعية ، سيما وأنه لم يحقق الأهداف التي تتبناها الأنظمة المتعاقبة على إدارة البلد منذ استقلاله.
و بالرجوع الى مسار الاصلاح الذي تبنت الحكومة الحالية (2021 م) و ما عقدت له من دورات تكوينية و ورشات عملية – في الفترة ما بين 16\20 نوفمبر (2021م ) – جمعت بعض الفاعلين التربويين والسياسيين والشركاء الاجتماعيين الذين تبنوا خطة العمل التي قُدمت في بيان مبهم في بعض مخرجاته و تمحور حول نقطتين أساسيتين هما :
– تحسين ظروف المدرس
– و إشكالية اللغة ، بالإضافة لنقاط أخرى
سرعان ما كشفت عن ضبابية الرؤية و إغفالها بعض الجوانب الفنية التي تتطلبها حقيقة الإصلاح، لتتأكد عدم جديته من خلال مشروع الميزانية ( 2022م ) الذي أعقب الأيام التشاورية بفترة وجيزة حيث جاءت مخصصات وزارة التهذيب الوطني و إصلاح النظام التعليمي بنسبة محبطة للجميع ، إذ لم تتجاوز (71 ) مليار أوقية قديمة من الميزانية العامة التي بلغت (855) مليار أوقية و هي نسبة تعادل أدنى مخصصات التعليم في جميع دول العالم .
فأين يكمن الخلل في محاولات إصلاح منظومتنا التربوية ؟
– إن الغوص في البحث عن إيجاد حلول جذرية لهذا الإشكال يمكن من خلال رصد أهم الاكراهات و الاختلالات التي كانت و لا تزال عائقا أمام محاولات إصلاح التعليم المتعددة و التي من أهمها :
– أولا : إعادة النظر في توزيع الموارد الاقتصادية و إعطاء قطاع التعليم النصيب الأكبر منها لاستفاء متطلباته وفق ما تقرره استراتيجية الإصلاح، فنسبة (8.3 %) لا يمكن أن تكون كافية لأهم قطاع في دولة ذات موارد اقتصادية متعددة ففي دولة السنيغال المجاورة تناهز ميزانية التعليم ” المائتي مليار أوقية ”
ووفقا لمعطيات البحث حول مخصصات التعليم في الدول المنخفضة دخلا فإن النسبة تتراوح ما بين ( 35% / 47% )
أي أضعاف ما تخصصه الدولة الموريتانية للتعليم من مشروع المالية السنوي و هو اختلال كبير في دراسة جدوائية الإصلاح المزعم .
– ثانيا : الافتقار للواقعية، و التشاركية، و التكامل في المشاريع التربوية
فهذا العنصر ساهم بشكل كبير في استمرارية العمل على مشاريع لا يمكن أن تأتي أكلها أبدا
لأنها تصدر عن جهات حتى و إن كانت مختصة و على مستوى من الكفاءة و الخبرة فإنها غالبا ما تتقدم بخطط عمل تفتقر إلى الواقعية و الموضوعية بسبب غيابها عن حقيقة واقع التعليم المتباين في بنيتيه التحتية و التربوية من منطقة لأخرى
و بحسب المعطيات الرسمية – و هي المصدر الوحيد –
فإن عدد التلاميذ في التعليم الأساسي ارتفع خلال العام الدراسي الجاري (2020\2021م) إلى 625.335 تلميذا
و بالعودة إلى توزيع هذا الكم من التلاميذ على مدارس الجمهورية البالغ عددها ( 3306) – نِسبة 78% منها تقريبا مدارس غير مكتملة ولا تخضع لأبسط معايير الجودة، بعضها من الطين و الحجارة و آخر عبارة عن خيام من القماش و أعرشة من العيدان تستبدل كل عام – و المدرسين البالغ عددهم أيضا (14885) معلم – نسبة 10% منهم خارج ميدان العمل تحت تغطية المفتشين و الإدارات الجهوية للتعليم و نسب أخرى ما بين الغياب المبرر و فقدان الأهلية ..
نجد أن كل هذه العوامل أدت إلى ظاهرة اكتظاظ الأقسام و التسرب المدرسي ورسوب الكثير من التلاميذ في المسابقات الوطنية ، فنسبة التجاوز في مسابقة ختم الدروس الأساسية كانت 55.72% خلال هذا العام (2021\2022م) في ظل التسهيلات الرقابية المغضوض الطرف عنها عمدا كباقي الاختلالات الأخرى المعلومة للجميع بالإضافة لللامركزية في طرح الامتحانات و تقليص معدل التجاوز إلى 7\20 .
و لتجاوز كل هذا لا بد من إشراك المعلمين و الأساتذة و وكلاء التلاميذ من كل منطقة في رسم خريطة الإصلاح التي لا تقبل التجزئة و أُحَادِية الطرح و التسييس و التسويف بالإضافة إلى الرقابة الصارمة و التكوين المستمر و تحسين ظروف المدرسين و تجميع القرى العشوائية و التطبيق الفعلي لإجبارية التعليم التي أقرها القانون الصادر عام (2001م) .
– ثالثا : إطغاء عنصر المعارف، والمعلومات النظرية، في المناهج التعليمية، على حساب التعلمات المرتكزة على المهارات الأداتية ،و هو ما يتطلب إعادة النظر في المناهج و المقررات الدراسية على المستويات الثالثة
( الابتدائية، و الإعدادية، و الثانوية ) لإدماج ما يتناسب مع ما يوفر النسيج السوسيو اقتصادي و السوق من فرص عمل ، و إبعاد جميع المقررات ” الحشوية ” و من ثم التحكم في توجيهات التلاميذ وفق خريطة التكوين التي تراعي أهمية تعددية العلوم واحتياجيات السوق .
فإرادة الإصلاح تستدعي ضرورة إبعاد الصراعات الإديولوجية من المقررات الدراسية و التي أصبح إشكال اللغة فيها يأخذ اتجاهات عدة تبعا للنظام السياسي و الاقتصادي للبلد فعلى سبيل المثال لا الحصر ؛ علاقة موريتانيا بجمهورية فرنسا و ما يقدمه البنك الدولي لها من مساعدات مالية جعلها مجبرة على تبني مقررات و مناهج تعليمية وفق مقاييس بيداغوجية تمثل تبعية سيكولوجية وثقافية لهذه الجهات، و هو ما أدى إلى محاولات عديدة مرهونة بتجارب ومخططات فاشلة أعيت الجميع و كرست سياسة التجهيل على مدى عقود متتالية
و لن يكون حل هذه العوائق إلا بضرب الإملاءات الخارجية و الصراعات الإديولوجية عرض الحائط و تبني نموذج قد تجاوز مرحلة التجريب يركز بالأساس على جودة وملاءمة المحتوى و المضامين ، و على فعالية و نجاعة أداء و مردودية المنظومة التربوية، و العمل على مقاربة شاملة تعتمد الحلول البيداغوجية والتكوينية لمعالجة جميع هذه الاختلالات و الاكراهات .