رزء بحجم رحيل عمير!
محفوظ ولد السالك-صحفي في إذاعة ميدي1
“أخي هل جف دمعي والمآقي
وهل في جنة الله التلاقي
أراك عـلى الأرائـك فـي نعيم
فنعم المهر يا نعم الصداق”
ليس مجرد فارس ترجل عن صهوة حياة ما خلقت للبقاء، ولا مجرد إنسان عادي عاش عقودا على أديم البسيطة ثم ووري ثراها، لقد كان يحمل هم وطن، ويسعى من أجل وحدة أمة.
اجتمع فيه ما تفرق في غيره، لقد مات ولم تهزم الحياة بجل أزماتها ومعكرات صفوها ابتسامته المعهودة في وجه الجميع، يختلف معك بأدب جم، يعبر عن رأيه بحذاقة وكياسة، لم يكن يرفث ولا يصخب، وكان صواما عن قول أو فعل سيء، وهل يحيق السوء والمكر إلا بأهلهما!
كثيرون هم من عرفوا الراحل محمد فال ولد عمير كاتبا فرانكفونيا فذا، يسمو قلمه كثيرا عن السطحية، يلامس عمق القضايا بمعالجات لا تخلو من “اديمين” وإن بلغة موليير.
وكثيرون هم أيضا من عرفوه قلم ولسان صدق ينافح عن الأصالة والثقافة والهوية الجامعة، لم ينسلخ ولم يستلب، وإنما ظل كما هو معتزا بالأصل والفصل الموريتانيين.
أنا واحد من أولئك الذين عرفوا عنه كل ذلك، ولكنني عرفت فيه أيضا إنسانية طافحة، وتواضعا لا محدودا، وحبا يسع الجميع، فقد كان قلبه مفتوحا لكل موريتانيا بمختلف أعراقها، وأجناسها، وألسنتها، يؤمن بأن الاختلاف محمود، وأن الوطن للجميع.
لا أعرف كم مرة هاتفني الراحل سائلا عن أحوالي، أو داعيا للقاء، وعديدة هي المرات التي تزاورنا فيها.
“قالوا يزورك أحمد وتزوره قلت الفضائل لا تفارق منزله
إن زارني فبفضله أو زرته فلفضله والفضل في الحالين له”.
فرغم فارق السن والتجربة، كان يأبى إلا أن يكون صديقا وكثيرون من جيلي، من كان يقوم بذات الأمر معهم، لقد كان ينصت إلينا جميعا، يجالسنا في المقاهي وفي مؤسسات العمل، ويدعونا لمنزله.
في حديث العميد كما ندعوه دائما أسفار تجربة ثرية من التعليم والصحافة، والثقافة، لقد كان عارفا بالمجتمع معايشا لكل مسارات تطوره، ومدركا حق الإدراك كنه مقومات تعايشه، وأهمية بل وضرورة وحدته وانسجامه.
لقد جعل الراحل من “لاتربين” منصة تعبير، وساعِدَ بناء، بين ثناياها يجد الجميع ذاته، تجمع ولا تفرق، مع ترك مسافة للتباين والاختلاف، تماما كما جعل من “قناة الساحل” منبرا لكل الموريتانيين ولمختلف الفرقاء، وجعل من الوكالة الموريتانية للأنباء شيئا مذكورا، لقد اكتتب لها الكثير من الكتاب والصحفيين الشباب، وحسن أوضاع العديد من العاملين بها، وأنصف من كانوا مظلومين في عهود سالفة.
لقد كان يترك أثرا طيبا أنى حل، خفيف الظل، يحب سواعد البناء والإيخاء، ويكره معاول الهدم والتفرقة، يحدب على الديمقراطية والحرية، ويذود عنهما، فقد كان يرى فيهما أساس بناء موريتانيا الحاضر والمستقبل.
تماما كما كان يرى في “المدرسة الجمهورية” المصنع الحقيقي لبناة الغد، حيث تذوب الفوارق، وتختفي الانتماءات الضيقة، وكانت تلك آخر فسيلة يغرسها قبل الرحيل.
لقد كانت آخر الكلمات التي كتب على صفحته على فيسبوك “ملامح من المدرسة الجمهورية” وأرفقها صورا لبعض المتسابقين في امتحانات مسابقة دخول السنة الأولى إعدادية”.
أدخله الله فسيح الجنان، وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله، وألهمنا الصبر والسلوان في رحيل رجلٍ أمة.