اغتنام الإجازة السنوية- الشيخ: محفوظ إبراهيم فال

فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب

( 1 )

ثبت في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ؛
( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ )
هذا الحديث العظيم نبه فيه النبي صلى الله عليه وسلم
على أهمية تقدير هاتين النعمتين قبل فواتهما والعمل على عدم الغبن فيهما الذي هو حال الكثيرين من الناس

_ الصحة التي تمنح الإنسان القوة والطاقة على العمل وتوفر له العافية من معاناة المرض وانشغال القلب ووهن البدن وضعف العزم فالعاقل يوظف هذه الصحة في الخير وفيما ينفعه ويرفعه في الدنيا والآخرة قبل زوالها القادم لا محالة بالمرض أو الهرم أوالموت

_ الفراغ وهو وجود الوقت للعمل وهو الآخر نعمة جلى ومنحة عظمى
فمن وجد صحة ووقتا فقد وجد رأس مال فإذا عمل فيه برشد وعقل ربح عمرا زاخرا بالإنجاز والنجاح وسعد بالغنيمة والربح وحمد العاقبة
ولكن المؤسف أن الكثير من الناس يخسر ذلك ولا يربحه ويغبن فيه ولا يكسبه كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم والكثير منهم تبلى الصحة بين يديه وتتسرب أوقات عمره رويدا وهو في غفلة وسبات

فيجر على نفسه الندم والحسرة يوم تزول نعمة الصحة والفراغ وتنزل نقمة الفلس والخسران وأعظم ما يظهر ذلك يوم القيامة حين يحصد الإنسان زرع العمر ويجني ثمرة العمل وقد سماه الله تعالى يوم التغابن ( يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن )
إنه يوم التغابن حقا والتفاوت صدقا يجتمع فيه الغابن والمغبون والرابح والخاسر ويبرز العمل ويحضر ( علمت نفس ما أحضرت ) ( علمت نفس ما قدمت وأخرت )
( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا )
وتعظم الأفراح والأتراح وتزول راحة أقوام ونعمتهم ويحل تعبهم ونصهم ويزول تعب آخرين ونصبهم وتنزل راحتهم ونعيمهم

وأفضل ما ينجي من هذا الخسران ويكسب ذلك النجاح امتثال هذا الأمر الرباني العظيم ( فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب ) والتزامه حتى يكون عادة وسلوكا

فكلما فرغ بدأ من عمل شرع في آخر وكلما اختتم إنجازا ابتدأ آخر ولا يسمح للنفس بالبطالة بين عملين ولا ترك وقت فارغ بين وقتين
وكثيرا ما تكون النفس أثناء العمل متطلعة إلى الفراغ منه تشوفا إلى الراحة فأمرها الله تعالى بالنصب حتى تصل إلى الراحة الأبدية التي لا ينغصها ألم ولا كدر ولا يتخللها عمل ولا تعب ولم يقل الله تعالى فإذا فرغت فاعمل بل قال فانصب وفي ذلك علاج لتشوف النفس للراحة وكسلها عن التعب وبيان أن هذه الدار لا تطلب فيها الراحة وإنما توطن فيها النفس على التعب فتعبها إلى راحة وراحتها إلى تعب

ثم وجه جل إلى أن يكون النصب والتعب في الرغب إلى الرب والزلفى إليه وابتغاء الوسيلة عنده فذلك أجل ما يتعب فيه وينصب

وبين يدي الراحة الصيفية أقدم أفكارا معلومة للكثيرين ولكن تذكيرا لهم لاغتنام الفراغ ووسائل معينة بإذن الله تعالى

يسر الله أمرنا وأمركم وألهمنا رشدنا ووقانا شر نفوسنا وبارك لنا في الأعمال والأعمار والأهل والمال وسائر ما أعطى.
الشيخ: محفوظ ولد إبراهيم فال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى