التخدير بالحب … بين محراب العباد وحراب الفرسان

"قصة محمد ول الدليل"./أ. سيد صالح أفاه

في قصة المرأة الماضية أنها “اعتلت بعلة فجاءها طبيب يعالجها و أراد قطع بعض أجزاء لحمها فكان إذا ذكر لها “الفتى العابد” لا تشعر بما يقطع منها فإذا ترك الحديث أحست به وصرخت .”
فكان ذكر هذا الفتى كالمخدّر لها في هذه العملية .
والأشياء إلى نظائرها تجمع …
حين جُرح الفارس العظيم و القائد الشهير محمد ولد سيد أحمد ولد الدّْليل ولد المختار ولد بوسيف ولد محمد الزناكي -وكان من أنجد فرسان دولة أولاد امبارك و أشدهم شكيمة وصبرا في الحرب- في يده في معركة غابو الأولى وكان الجرح بالغا آلمه كثيرا و داخله الوجع والقيح ، ولكن القوم لم يجرؤوا على أن يطلبوا منه معالجة جرحه حتى فسدت يده ، فلما رأى ابن عمه وصهره الأمير الشهير سيد أحمد ول المختار “اعل حسان اشريف” ذلك نادى جمعا من “الشعّار” و أمرهم بأن يذهبوا إليه ويحتالوا لكي يقبل بالعلاج ، فذهبوا إليه يتقدمهم الفنان الكبير المعروف بجودة العزف والشدو و الغناء و الشعر فباكروه وقد نام نومة كحسو الطير إذ بات ساهرا من شدة الوجع فعزفوا له شور (لكَتري) فلما “طابت الأوتار ” و رقت الأنغام استيقظ ، فأنشده ول اسويد بوه :
كَوّات ارْيامُ كامْلاتْ ** في الظّيكَْ امنين ايفاتنْ
صبحُ عندُ متراجْماتْ ** ليوم التيدناتن
فتنت غابو مالو امثيل ** اتخطَّ فيها كلّ جيلْ
سند المسلم ولّ الدليل ** وسّايُ مسلم عاتن
شكّاكَْ البيّظ من الخيل ** والرجلِ تيجكراتن

فلما كمل وعيه واستوى قال لهم : ما حملكم على هذا ؟ ألم تعلموا ما أعاني من ألم وقد نمت بعد سهر ليل طويل ؟
فقال له ول اسويد بوه : جئناك نريد غاية واحدة . فقال : ما هيه ؟ قال غايتنا “هذه اليد نريد منك أن تعطيها لنا لنعالجها” ..
فقال امحمد ول الدليل : تفضلوا هاهي اليد أمامكم أجلسوا أمامي (هَامَه ) منت سيد أحمد للمختار ثم افعلوا بيدي ما بدا لكم ، وقد ذكر لي الأخ ابهاه بن أحمدبن يوسف أنه قال لهم : (أجلسوا أمامي هاوه ثم اعطوني مسواكا من أتيل لأعضه)
و (هامه) هي بتفخيم الميم وليست بالواو “هاوه” كما ينطقها البعض ، وهي من خيرة فتيات (أرْيامْ الدولة) و أعزهن و أحظاهن و أشيعهن والظاهر أنها كانت “طفلة” بكل ألفاظها ومعانيها رحمها الله .
فقطعت يده فصار (أقطع عزيزا في قومه) كما يقول العلامة صالح بن عبد الوهاب في حسوته .
وبعد أن تمت العملية الجراحية أجزل ول الدليل العطاء (لجمع الشعار) ، و أهدى جواده الأبيض وهو من عتاق الخيل لمحمد ول اسويد بوه ، فلما امتطى صهوته ومشى به ازدان في عينه و استطاب “مشيه واتهيليفه” فأنشد :

لبيظ في الخيل ابلا امثيل … مونكن باتروكَِيلُ
اعطاهنّ ولّ الدليل … يعطيه اللي نبقيلُ.

ثم إن القائد محمد ول الدليل بدا له من بعد ما رأى أنه لم يعد -كما كان- قائدا قادرا على الصوَلان والجوَلان بين الصفوف في المعمعان ، و أنه قد (حيل بين العير والنزَوان) غادر مواطن العز والرئاسة واتجه إلى تنواجيو حيث مضارب أهل الشيخ ول أحمد لعثمان فسكن هناك مقبلا على الله و شأن الآخرة و انتقل من ميدان الحراب إلى سكينة المحراب ، ومما أنشده في هذه المرحلة :

يلي عالم بني الهول –متمكن من دلالي
اتركتو بي صوع مول– الجنة ترزقهالي
اتركت اماضع تگرين –وكم من موضع ف كر زين
واصحاب الملك الياسرين–من جد الجد ألالي
واخترت امدينت مومنين– نعگب فيها من تالي

ولقد أبعد النجعة جدا من نسب هذه الطلعة لغيره كمن ينسبها لخالنا الفقيه سيدي ول محمد ول الشيخ ول ابوه “جدو” ول الشيخ بتار ول أحمد ول عثمان رحم الله الجميع ، لأن ملامحها واضحة من ترك الملك المتوارث و الرئاسة والزعامة المنتزعة من بين فكّي المخاوف و المهالك ، واختياره لمدينة من المومنين يقبل فيها على العبادة والتنسك فهذا لا يحيلك إلا إلى امحمد ول الدليل أو ابن عمه محمد ول التادلاوي ول حمو ول هنون لعبيدي رحم الله الجميع .

ولله في خلقه شؤون فسبحانه هو الوارث الأرض ومن عليها ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى