تسعون دقيقة من حياة شعب..
السالك زيد-صحفي
في مقاطعة الرياض PK11 بنواكشوط كانت أم خمسينية تجلس على أعصابها المتفلتة، وتشاهد ابنها يلعب في مباراة مفتوحة على كل الاحتمالات، ويحمل على عاتقه حمل بعير من خيبات السنين، ونفسه من آمال الشعب.
وسط الصراخ المتصاعد من بناتها وزميلاتها في الحي داخل البيت، كانت دعواتها ترتفع إلى السماء في صمت، لم يعد قلبها يحتمل مشاهدة وجه ابنها يعتصر حزنا بعد كل 90 دقيقة يلعبها مع المنتخب، إنها تنتظر فوزه بصبر النمل.
في مكان آخر من العاصمة، كان رئيس الجمهورية يجلس أمام الشاشة ببساطته المعهودة، يحمل في قلبه طموحا يتشاركه مع الحمال وبائع الرصيد والمدير والعاطل عن العمل، والطالب والتلميذ، طموح يوحد كل من يحمل في قلبه مثقال ذرة من انتماء للأرض والعلم والنشيد. لا يفكر في السياسات الاقتصادية ولا السياسية، قلبه معلق بالفوز في مباراة كرة قدم ليست مجرد لعبة.
في المدرج المخصص للشخصيات VIP كان ولد يحيى رئيس الاتحادية يتمنى أن يتخلص من الرسميات، وينزل إلى معمعان المعركة. كان يصرخ عاليا في صمت مطبق، يجري في الملعب وهو جالس على مقعده. الفريق متقدم على الجزائر التي خرجت بسلام من معارك ضارية في أكثر من مرة، ويمكن أن تفعل ذلك في كل ثانية تتبقى من عمر المباراة. كل الخيبات السابقة البعيدة والقريبة، تتراقص أمام أعينه ككابوس. كل تلك الآلام وكل الانتقادات وكل الهزائم والنتائج الهزيلة، كل ذلك سيتوقف بعد دقائق يبدو أنها لا تتحرك.
وجه المدرب على الميدان لم يكن وجهه المألوف، حتى لونه تغير فجأة، كان كمن قضى أسابيع دون سنة أو نوم. لقد خبر تلك اللحظات مع منتخب بلده، خانته تقلبات الكرة من قبل، ولا يريد لذلك السيناريو أن يتكرر معه ومع منتخب منتفض من خلف الركام. خانه الحظ في مبارتين كان على الأقل يمكن أن يخرح منهما بنقطة ثمينة، لكن كرة القدم تنصف المجتهدين، فأعطته في النهاية فرصة، ما عليه إلا أن يغتنمها فيسعد، أو يضيعها فيشقى، ثم إن كلمته “اخبروا بالماضي أن يستعد للمباراة” كان يريد أن يكون على قدرها.
على قارعة طريق عام في “كرفور”، كان رجل بسيط يجلس على مقعده خلف طاولة تحمل بعض علب السجائر وبطاقات الرصيد، هي مصدر رزقه ورزق عائلته في أقصى الشرق، كان يشاهد المباراة من هاتفه المتواضع من نوع سامسونغ. نسي لتسعين دقيقة مشاكله اليومية وحربه الخاص لتوفير مبلغ لتسديد دين لم يعد يحتمل الكثير من التأجيل.
لتسعين دقيقة كأن أحد عشر رجلا يقاتلون على الميدان أمام أنظار العالم، لإسعاد شعب متشوق للانتصارات من أبسط مواطن فيه إلى رئيس الجمهورية. ثم تحقق الهدف رغم الصعوبات، واكتظت شوارع نواكشوط من أقصاه إلى أقصاه بالسيارات والراجلين.. الجميع يركض نحو اللاشيء، تقوده مشاعر مختلطة لا شيء يعبر عنها سوى الركض والصراخ وتوزيع الأحضان بالمجان.
السالك زيد