التعليم الحكومي الخيار الوحيد أمام فقراء موريتانيا

على أبواب مدرسة ابتدائية بأحد الأحياء الفقيرة بضواحي العاصمة نواكشوط، تقف ” السالمة” كل صباح، مشيعة طفلها الوحيد المسجل في السنة الأولى ابتدائية، بنظرات حالمة بمستقبل أفضل، حيث ترى في ذهابه إلى حجرات الدرس، أملا بنقلهم من حياة البؤس والفقر إلى حياة السعادة والهناء. لكن بين الحلم والحقيقة أشواط كبيرة، فماذا عن واقع التعليم العمومي في موريتانيا؟.

السالمة تقول: ” إن إقبال محدودي الدخل في موريتانيا على التعليم العام يفرضه ارتفاع أسعار التعليم الخصوصي، حيث إن ليبرالية السوق أعطت حرية زائدة للمستثمرين في هذا الحقل، للتربح على حساب الفقراء، مما اضطرهم لتوجيه أبنائهم إلى المدرسة العمومية، المجانية، رغم أن الرعاية اللازمة للصغار، فيها غائبة، والنتائج المروجة محدودة، في ظل اكتظاظ الأقسام، وضعف أداء المدرسين العائد إلى عوامل عديدة، تتحمل الإدارة المسؤولية الأكبر فيها”.
ويرى أ.د : يحي ولد عابدين (أمين عام نقابة تحالف أساتذة موريتانيا) أن الوضعية السيئة التي مر بها التعليم العمومي الموريتاني، في ظل الأنظمة المتعاقبة، أثر على جودة المخرجات، وساهم في تسرب أجيال عديدة، لم يجدوا في المناهج المقررة ما يروي ظمأهم المعرفي، في بيئة غير مساعدة على التحصيل، نظرا لترهل البنية التحتية المدرسية، واكتظاظ الفصول، وغياب وسائل الإيضاح، أو بدائيتها ـ إن وجدت ـ (سبورات اسمنت، أو خشب)، وطباشير تدخل في تركيبتها مواد سامة، تشكل خطرا كبيرا على الجهاز التنفسي للمدرس.
وأضاف ولد عابدين، بأن إصرار بعض أطياف المجتمع على توجيه أبنائه للمدارس الخاصة يشي بأن المجتمع فقد الثقة في المدرسة العمومية (الجمهورية)، واستعادة هذه الثقة تحتاج وقتا، فالدولة الموريتانية لم تحسًن بعد من واقع هذه المدرسة سوى بالتسمية والخطابات الرسمية، فإنفاقات الحكومة الموريتانية على التعليم حسب الخبراء الذين انطلقوا من تقارير البنك الدولي لا تتعدى 1.9 من الناتج الخام، في حين أن مالي والنيجر تنفق كل منهما 3.8 أما السينغال فتنفق 4% من الناتج المحلي، رغم تباين الحالة الاقتصادية لهذه البلدان مع واقعنا الاقتصادي، من حيث الثروة ـ على الأقل-.
ويؤكد ولد عابدين أن المدرسة العمومية أصبحت قبلة للطبقات الضعيفة وغير المتعلمة أساسا، الذين لا يسمح مستواهم المعرفي ـ في الغالب ـ بمتابعة أثر المدرس في أبنائهم، كما عمق الخلل في المنظومة التربوية، إصدار توصية إدارية إلى مديري المدارس العمومية بالسماح للجميع بالتجاوز إلى الأقسام الموالية، حتى إذا وصلوا عقبة الامتحانات الوطنية( ختم الدروس الابتدائية، الإعدادية، الثانوية) تعثروا، وفشلوا في النجاح
بدوره قال المعلم : منصور ولد محمد يحي(أمين التكوين بالمكتب التنفيذي للنقابة الحرة للمعلمين الموريتانيين) إن التعليم العمومي الموريتاني ما يزال يعاني من جملة اختلالات تراكمت على القطاع إبان العقدين المنصرمين، حيث إن مخرجات التعليم بصفة عامة عرفت تدهورا غير مسبوق في المستويات، وذلك يرجع بالأساس إلى غياب الإشراف والرقابة بدءا من أعلى هرم القطاع الوصي وانتهاء بالإدارات الجهوية والمقاطعية، هذا بالإضافة إلى صعوبة الظروف الاقتصادية والمعيشية التي أثرت بشكل لافت على أداء الطواقم التربوية..
وأضاف ولد محمد يحي: أن ” ما يسمى بالمدرسة الجمهورية مجرد شعارات لا أثر لها في الواقع ولن تساهم في التغلب على المشاكل التي يعاني منها التعليم العمومي؛ ما لم توجد إرادة جادة تسعى للإصلاح ويتم إبعاد القطاع عن التعيينات السياسية غير المعيارية..

وبخصوص إقبال المجتمع على التعليم العمومي، يرى منصور، أن الأمر عائد إلى فقدان الثقة في التعليم الخصوصي، وارتفاع أسعار الدراسة في المدارس الخصوصية التي لا تتدخل الدولة في ضبط رسوم التسجيل فيها.
طريق الحل..
النقيب: يحي ولد عابدين، يقول إن التعليم العمومي سيبقى قدر الطبقات الهشة..لكن إرغام الميسورين وأصحاب الطبقات المتوسطة عليه لا يكون بسيف القانون( في إشارة إلى سحب السنة الأولى ابتدائية من التعليم الخاص) وإنما بتحسين أوضاع مؤسساته ونظافتها وإعادة توزيع الخارطة المدرسية المختلة وزيادة مؤسساتها في المدن الكبرى، وكذا التحسين من ظروف مدرسيه، وتحيين مناهجه واكتتاب حرس مدرسي له، حتى تستعيد الطبقات المتوسطة والعليا الثقة من جديد لتسجيل أبنائهم فيه، ويحصل اندماج اجتماعي نحن بحاجة إليه لمخرجات متساوية في خدمة التعليم العمومي ووجود أجيال مندمجة مع بعضها البعض تتساوى في الفرص، وتشعر بالانتماء لهذا الوطن من جديد.
ويرى ولد عابدين أنه مالم يتم تحسين ظروف المدرسين، بمنحهم رواتب وامتيازات ومكافآت تسمح لهم بالتفرغ لمهمتهم النبيلة، دون المزواجة بين مهنة التدريس وأي عمل آخر من أجل تأمين احتياجاتهم اليومية في ظل ارتفاع صاروخي لأسعار المواد الغذائية، سيظل عطاؤه ناقص، وفق تعبيره.

من جانبه قال القيادي النقابي : منصور ولد محمد يحي، إنه يمكن في إطار تحسين جودة التعليم تقديم المقترحات التالية :
– وضع المدرسين في مادية ومعنوية لائقة.
– إعداد دراسة فنية لتشخيص أسباب ضعف مستويات التلاميذ، واقتراح حلول لهذه المشكلة.
– تجهيز المدارس بمختلف الوسائل الضرورية، من ترميم للمباني، وطاولات، وكتب، وأدوات.
– اعتماد المعيارية والموضوعية في وظائف الإشراف والإدارة بمختلف مفاصل العملية التربوية.
– إبعاد الزبونية والوساطة عن توزيع المصادر البشرية للقطاع.
– بعث روح الجد والانضباط في أوساط المدرسين من خلال مبدإ المكافأة والعقوبة.
– الأخذ بالشفافية في توزيع وصرف ميزانيات التسيير ومعاقبة كل أصحاب الخروقات في هذا المجال.
يشار إلى أن الرئيس الموريتاني في برنامجه الانتخابي(تعهداتي) اعترف بأن ” أداء المنظومة التربوية الموريتانية، ما يزال دون المستوى المطلوب” مضيفا بأن المنظومة التعليمة ” غير قادرة على فتح آفاق التطور المهني المنشود، أمام الشباب من جهة، وإعداد اليد العاملة المؤهلة الضرورية، للنهوض باقتصادنا من جهة أخرى” .

وشدد ولد الغزوتاني أن خمس سنوات ـ مدة مأمورية الرئيس بموريتانيا، لاتكفي لإصلاح جميع الاختلالات في منظومتنا التعليمية، إلا أنها يمكن أن تكون أساسا، لإرساء قواعد المدرسة، التي نحلم بها جميعا لأجيالنا الصاعدة “وفق البرنامج الانتخابي للرئيس
ولمعالجة هذه الاختلالات أطلقت الحكومة مشروع المدرسة الجمهورية، التي تسعى لخلق جو تعليمي هادئ، تطبعه القيم النبيلة المستمد من الدين الحنيف، والثقافة العربية الإفريقية، يجد فيها كل طفل موريتاني فرصة، لنمو طاقاته، وتفتق مواهبه، بحسب الأهداف المعلنة لمشروع المدرسة الجمهورية.

تقرير:  الشيخ باب ولد محمد الأمجد

تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى